الكلام، ولكن كان مقصود الناظم الخلاص، مما دهى غيره ولات حين مناص، غير أنه نهج منهج الغلو، وتنازل عن منازل الرفعة والعلو، وهجا أهل الشام من قديم وحديث، وطيب وخبيث، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك، ولا سلك بأهل الشام هذه المسالك، بل مدحها وأهلها، وأوصى بها وأجلها، وهب أنه أذنب بعض أهل الشام، فلا ينبغي تقبيح الخاص والعام، بل الفاعل بالذم أحرى، وقال الله تعالى:" ولا تزر وازرة وزر أخرى " ومن طالع صحيح البخاري وكتب التاريخ المعتمدة، وجد أن قصة الحسين ليست لأهل الشام مستندة، على أن يزيد الملعون لم يكن من أهل الشام، وليس له بها من قرابة ولا نسب، وإضافة هذه القصة لأهل الشام خالية عن المعرفة وموجبة للعجب، ولكن طوبى لمن عقل لسانه وكفه، وأطلق بالخير بنانه وكفه، ولو سكت الكليم لرأى العجائب، ولو صمت يوسف لعصم النوائب، وليت شعري من في الشام الآن ممن كان في ذلك الزمان، ما بقي بها إلا مهاجر أو غريب، وإنكار ذلك أمر غريب. ويكفي للعاقل أن يتخلص من المكروه بجميل أحواله، بدون أن يلقي أخاه في أوحاله، فعلى كل حال لم يكن المترجم ممدوحاً بذلك، بل سلك أوعر المناهج والمسالك، والملام إنما يكون على ذوي المضرة والباس، لا على جميع الناس. فكيف يجوز أن يؤخذ زيد بجريمة غيره، وأن يعامل بالقبيح على معروفه وخيره:
ليس الفتى كل الفتى ... إلا الفتى في أدبه
وبعض أخلاق الفتى ... أولى به من نسبه
ولولا أن أهل الشام الآن من شيعة آل البيت، لقوبلت هذه القصيدة بكيت وكيت، ولكن الحب يدعو إلى الصبر، وإن تحمل الإنسان ما يوغر الصدر، على أن القبيح لا يقابل بالقبيح، وإلا فما فضل المليح على القبيح، وما هي إلا زلة عالم، وجهت على قائلها لسان اللائم.