لنرفع ما بينهما من الاشتباه، فشمس الحق لا يحجبها حجاب الباطل، وهيهات تكتم في الظلام مشاعل، فلم يزل الحق أبلج، والباطل لجلج، وحسبك قول خالق الخلائق، " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق "، فعند ذلك سرى النسيم إليهما مسرى النوم في الأجفان، والروح في الأبدان، والراح في الندمان، فأتى بهما وهو يتبسم ويتنسم ويتسنم، فحيا كل منهما وبيا وسلم، فقلنا: وأنتما حييتما ما عطس الفجر ودب الظلام، فإنكما أعظم دعائم الجماد والنبات والحيوان والإنسان، وأنتما الشقيقان اللذان لم يوجد لهما ثالث في عالم الإمكان، فهل ولج بينكما ذو نفاق، حتى صدر منكما هذا الشقاق، أو ذلك من دسائس النفس الأمارة، ووساوس تلك العدوة الغدارة الغرارة، التي لا تأمر إلا بالشر ولا تصبو إلا إلى الضر، كيف لا وهي عروس إبليس، ومصدر أفعال التدليس والتلبيس، أعدى العدى، وسبب الردى، قال لها الحق أقبلي فأدبرت، وأعرضت عن جانبه واستكبرت، حتى ألقاها في الجوع، وألجأها به إلى الذل والخضوع، فالشر في إهمالها، والخير في إعمالها وإذلالها، فمن أطاعها ندم، ومن عصاها سلم، ومن قهرها بالجهاد فهو بطل، ومن ملكها من مدينة جسمه خرب نظام إنسانيته وبطل، فالرأي للعاقل أن يحذر مكرهاً، ويخالف أمرها، لاسيما إن أمرته بقطع رحم القرابة والأرب، أو رحم الصحبة أو الحرفة التي كل منها لحمة كلحمة النسب. والمرء قليل بنفسه كثير بالإخوان، والرحم مشتقة من الرحمن، ولهذا يصل من وصلها، ويفصل من فصلها، وخير الناس من جنح إلى الصلح، ولم يداو جرحاً بجرح، كما قال الشاعر: