للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أديب ألمعي، كأنه الأصمعي تراه الكامل في الأدب، والعمدة في كل مطلب، يأتيك من البديع بما يخجل ربيع الزهر وزهر الربيع، يثمر المسامرة ويحضر المحاضرة، ويتقن المحاورة، ويحسن المجاورة، يبادهك بما رق وراق، ويجلب لك الغصن من أزهار الأفكار وثمرات الأوراق، يجود على السمع بما يطلب القلب من الاقتراح، ويجلو عليك من راح ملحه ما يوجب لك الراحة والارتياح، كما قيل في أمثالهم:

لنا جلساء لا يمل حديثهم ... الباء مأمونون غيباً ومشهداً

إذا ما خلونا كان حسن حديثهم ... معيناً على نفي الهموم ومسعداً

يفيدوننا من علمهم علم من مضى ... وعقلاً وتهذيباً ورأياً مسدداً

ولا غيبة نخشى ولا سوء عشرة ... ولا نتقي منهم لساناً ولا يداً

وما زلنا نقتطف منهم زهور الآداب، ونخترف ثمار الألباب، وهم يمزجون جدهم بالمفاكهة والمداعبة والمباسطة، ويزهو كالعقد وصاحب المنزل لهم كالواسطة، ومجلسه يحتفل بالوافدين، ويغص بالواردين، وهو يخاطب كلاً على حسب قدره وعقله، ويتحف كل من له وطر بقضاء وطره، ولا يتعلل كغيره بشغله، حتى أقبل ملك الليل بسواده الأعظم، ونثر على الأفلاك جواهر النجوم التي كأنها العقد المنظم. هذا ونحن في فلك السعود، كواكبنا وسماؤنا دخان العنبر والعود، وقد أشرق بدر تلك المنازل بالنور والكمال، وأشرف علينا بجبين لطيف رأينا عليه الهلال، وشنف بدر منطقه منا الأسماع، حتى خيل لكل منا أنه جليس القعقاع، وما زلنا في ليلنا نجمع عقود السرور كأنها فذلك، ونتمتع بنعيم لو

<<  <   >  >>