للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سئلنا عن أنفس أعمارنا فذلك، حتى نبذ الله الكرى في هامة منا وراس، فأسكرتنا سنة النوم والنعاس، وهجم علينا ملك الكرى، وقد كاد أن يشيب عارض الليل مما سال من دمع الشمع وجرى، وعند ذلك طوينا من المنادمة بساطها، وتفرقنا تطلب كل نفس منا راحتها وانبساطها، ثم اضطجعنا على الوساد للرقاد، وأعطينا الجفون حقها من الإغفاء بعد السهاد، ولم نزل في ضيافة المنام، تقربنا أياديه السرور في الأحلام، حتى لفظ الشرق من لهواته ياقوتة سهيل، ودب مشيب الفجر في عارض الليل، فنهضنا للصلاة، وجلس كل منا بعدها في مصلاه، حتى طلعت شمس صاحبنا الفائق، على الصاحب ابن عباد، فنفذ شعاعها من ظواهرنا إلى كل قلب منا وفؤاد، ثم دخلنا عليه وسلمنا ودعونا له بطول البقاء، فأجاب وأجاد وأجاز وتلقانا أحسن اللقاء، ثم جاءت القهوة التي طابت منظرا، ومخبراً وذوقاً وشما، ثم جيء بقصبات التبغ فارتضعنا منها كل ثدي يلذ دره ريحاً ولونه وطعما، فلما استوفينا أوفر حظ، وخلا مجلسنا من كل بارد ثقيل فظ، وشرب ذلك البحر المحيط بالفضل غليونه، وأراد أن يلقي علي لكوني من الساحل بعض درره الثمينة، بادرته بالدعاء، وعرضت عليه مفاخرة الماء والهواء، وسألته فصل الخطاب، والإنعام بالجواب، فالتفت عند ذلك للماء وأخيه، وقال: إن كلاً منكما محق فيما يدعيه، فما أشبهكما بالسماء بالفرقدين، وفي الأرض بالعينين، ففضلكما معجز، لا يكاد يميز أحدكما عن أخيه مميز. وقد نفع الله بكما العالم على تباين أنواعه وأشكاله. وقد ورد أن الخلق عيال الله وأن أحبهم إليه أنفعهم لعياله، فلا تشتغلا بالمفاخرة عن شكر هذه النعمة، واعلما أن حب الفخار أهبط إبليس إلى حضيض اللعنة من أوج شرف الرحمة، فلا تجعلاه لكما إماماً، فمن يفعل ذلك يلق أثاماً، واعلما أن الفخر في الدنيا بالمال، وفي الآخرة بالأعمال، وأحسن

<<  <   >  >>