الافتخار الافتقار، وظهور الذل والانكسار، فقد قال من سال بين أصابعه الماء المنهمر، الفقر فخري وبه أفتخر، فمن كان عبداً لله كان له به الافتخار، لا من كان النفس أو الهوى أو الدرهم أو الدينار، فمن مناجاة علي كرم الله وجهه وزاده منه قرباً: سيدي كفانا شرفاً أن نكون لك عبيداً، وكفانا عزاً أن تكون لنا رباً، وللقاضي عياض
على أن مرآة الحق أرتني فضيلة تفضل بها أيها الماء أخاك الهواء، وحققت لي أنكما لستما في الفضل سواء، وهي أن الله خلق آدم من الماء وخلق منك إبليس، فاعترف لأخيك بالفضل عليك، ودع عنك زخارف التلبيس، فأكبر من الحق من قبله، وأصغر من الباطل من عمله، والتذلل للحق أقرب من التعزز بالباطل، وأعظم الزلات زلة العاقل، فعند ذلك عدل الهواء عن هوجه واعوجاجه، ومخاصمته وعلاجه، وأقبل يقبل ذيل الماء ويعتذر إليه، من استطالته عليه، وأقبل كل منهما على صاحب المنزل يؤدي بالدعاء له حقوقه، حيث سلك بكل منهما مجاز الطريقة والحقيقة، وسألاني أن أمدح جنابه عنهما بطريق النيابة ففتح الله لي من النظم بابه، فأنشأت أقول:
عارضت قوماً عن ودادك أعرضوا ... وتركتهم إن صرحوا أو أعرضوا
من كل ذي ملق له إن جئته ... نفس مذبذبة ورأس منغض
يلقاك منه عند أول رؤبة ... جسم صحيح فيه قلب ممرض
يحكي ثعالة وهو في روغانه ... والحية الرقطاء حين تنضنض