الخير سنة اثنتين وستين حضر فرمان مرسوم سلطاني بإقامتهما في الشام، وداما في هذه الغربة إلى غاية شهر المحرم الحرام، سنة ثلاث وستين ومائتين وألف فحضر الفرمان العالي بإطلاقهما بهمة محمد نامق باشا مشير الأوردي الهمايوني الخامس، فخرج مع أبيه من دمشق يوم الاثنين رابع وعشري صفر من السنة المرقومة، ودخلا إلى المعرة يوم الاثنين غرة شهر ربيع الأول، وتوجه على أبيه منصب الفتوى وعليه منصب القضاء، بعد عزلهما من هذين المنصبين من حين طلبهما إلى الشام، وفي سنة ألف ومائتين وأربع وستين رابع عشر شوال يوم الاثنين توفي والده، واسترحم عموم الأهالي بوضع المترجم مكانه مفتياً، وكان إذ ذاك شيخ الإسلام أحمد حكمت عارف بك فتوجه عليه الإفتاء من غير مهلة، ولم يزل مفتياً إلى أوائل المحرم سنة ست وستين، وفي هذا التاريخ حضر له رسالة من صاحب الدولة محمد أمين باشا مشير الأوردي الهمايوني الخامس الجيش السلطاني يأمر المترجم بحضوره إلى الشام، ليكون كاتب عربي الأوردي المرقوم، فبعد الاستعفاء المقابل بعدم القبول، حضر إلى الشام في غرة جمادى الأولى من السنة المرقومة، وحصل له جاه وقبول عند المشير المومأ إليه لما حاز عليه من الأوصاف المرغوبة، والألطاف المطلوبة، والمعارف الكاملة، والعوارف الشاملة، ولم يزل عنده معظما منظما، إلى أن توفي المشير المومأ إليه رحمه الله وذلك في اليوم الثالث عشر من شهر ذي القعدة الحرام الذي هو من شهور سنة ألف ومائتين وسبع وستين، ودفن في تربة الشيخ الأكبر في صالحية دمشق الشام ونظم المترجم له أبياتاً كتبت على بلاطة قبره وهي:
بشرى دواماً للمشير أمين ... نال المنى بجوار ذي التمكين
بحر العلوم العارف الغوث الذي ... هو قطب مركز عالم التكوين