وتوق زيارة روضة خير الأنام، عليه الصلاة والسلام، فتجرد عن العلائق، وخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله الصادق، فرحل هذه الرحلة الحجازية من طريق الموصل وديار بكر والرها وحلب والشام، واجتمع بعلمائها الأعلام، وصحب في الشام ذهاباً وإياباً العالم الهمام، شيخ القديم والحديث، ومدرس دار الحديث، الشيخ محمد الكزبري رحمه الله تعالى وسمع منه وأخذ عليه، فقربه وقر به عيناً وفاز بما لديه من
علو الإسناد، وإجازات المسلسلة الجليلة المفاد، وصحب تلميذه كذلك الأخص الأصفى الشيخ مصطفى الكردي متع الله الطلاب بطول حياته، فأجازه لشيخه بأشياء، منها الطريقة العلية القادرية، فخرج منها على جادة العزائم بأحسن قدم، يطعم ولا يطعم، فوصل المدينة المنورة، ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم بقصائد فارسية بليغة محررة، ومكث فيها قدر ما يمكث الحاج، وصار حمامة ذلك المسجد الوهاج، قال وكنت أفتش على أحد من الصالحين، لأتبرك ببعض نصائحه لعلي أعمل بها كل حين، فلقيت شيخاً يمنياً متربضا، عالماً عاملاً صاحب استقامة وارتضا، فاستنصحته استنصاح الجاهل المقصر، من العالم المستبصر، فنصحني بأمور، منها: لا تبادر بالإنكار في مكة على ما ترى ظاهره يخالف الشريعة، فلما وصلت إلى الحرم المكي الشريف وأنا مصمم على العمل بتلك النصيحة البديعة، بكرت يوم الجمعة إلى الحرم، لأكون كمن قدم بدنة من النعم، فجلست إلى الكعبة الشريفة أقرأ الدلائل، إذ رأيت رجلاً ذا لحية سوداء عليه زي العوام قد أسند ظهره إلى الشاذروان ووجهه إلي من غير حائل، فحدثتني نفسي أن هذا الرجل لا يتأدب مع الكعبة، ولم أظهر عتبه، فقال لي يا هذا ما عرفت أن حرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمة الكعبة فلماذا تعترض على استدباري الكعبة وتوجهي إليك، أما سمعت نصيحة من في المدينة وأكد عليك، فلم أشك في أنه من أكابر الأولياء، وقد تستر بأمثال هذه الأطوار عن الخلق، فانكببت على يديه وسألته العفو وأن يأمرني بدلالته على الحق، فقال لي فتوحك لا يكون في هذه الديار، وأشار بيده إلى الديار الهندية، وقال تأتيك إشارة من هناك فيكون فتوحك في هاتيك الأقطار، فأيست من تحصيل