للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعض الحصون، خوفاً من هذه المضار، فخرج من بغداد وقد تزايد كربه، قائلاً " ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه " وكان معه من جماعته نحو المائتين، ولم يزل إلى أن وصل إلى كركوك من غير ضرر ولا شين. وهناك راسل الدولة العلية، وأخبرها بما كان من سعيد باشا من الأفعال الدنية، وتضييع حقوق الدولة، ومعالمة الأعداء بما يوجب لهم كل قدر وصولة، وكشف لها عن سوء سياسته، وعن عكس معرفته وفراسته، وعن تقليده أزمة الممالك المهمة لأعراب البادية، أهل النهب والسلب والظلم واليد العادية. وكان للمترجم عبارات عالية، وأساليب في الكتابة سامية، وكان له اليد الطولى في التركية والفارسية والعربية، وله النظم والنثر والكتابة في هذه اللغات كلها على أتم حالة سنية، وكانت تشهد له الأفاضل بأنه إمام همام كامل، فلما وصلت رسالته إلى الدولة العلية، تحيروا من فصاحتها وبلاغتها وما اشتملت عليه من الأمور السياسية، فعلموا أن الذي يكتب مثل هذه التحريرات، ويسطر مثل هذه التسطيرات، هو الأحق والأحرى بالإسعاف والإسعاد، بالتولية على ولاية بغداد، فما كان من الدولة العلية إلا أنها بادرت بإرسال الفرمان، العالي الشان، الواجب الإطاعة على كل إنسان، إلى داود باشا ذي القدر المصان، ومضمونه عزل سعيد باشا عن تولية بغداد، وتولية داود باشا بدله على تلك البلاد. فلما وصل الفرمان إليه قرأه علناً على رؤوس ذوي الطاعة والشقاق، ثم أرسل صورته إلى حمود بن ثامر لأنه هو المقيم المقعد في أرض العراق، وذلك لأجل أن يعلم أن سعيد باشا قد فاته المرام، وترتفع عنه برؤية صورة الفرمان الشكوك والأوهام، خصوصاً وهو أكبر أعداء المترجم وأكبر أسباب الفاسد والمكر الذي تقدم.

فلما وصلت صورة الفرمان إلى

<<  <   >  >>