للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حمود بن ثامر، طرحها على الأرض وأهملها إهمال المستهزىء الساخر. فتعجب قومه من إهماله ونبذ الطاعة، ونصحوه بأن أمر السلطان لا يلقى في أودية الإضاعة، ومخالفة أوامر الدولة أمرها وخيم، وخطرها عظيم، وأن الأمر منوط بك فسعيد باشا لا ينظر إلا إليك، ولا يعول في قبوله وعدمه إلا عليك، والأولى أن تنصحه بالقبول والطاعة وعدم القتال، لأن خصمه رجل مطاع ولو قدم على العراق بمفرده لأطاعه النساء والرجال، خصوصاً وقد حوى من العقل وحسن السياسة ووفور الخديعة والدهاء نصيباً عظيما، ومن الشجاعة والقوة وثبات الجنان حظاً جسيماً، فما بالك لو جر معه عسكراً من الأكراد، وقدم بهم وبغيرهم إلى بغداد، فهل يعارضه من أحد، مع أن الأهالي جميعاً يحبونه محبة الوالد للولد، فلما أكثر على حمود أعمامه وإخوانه وأولاده النصائح، رجع إلى رأيهم، وقال قد اعترفت أنه رأي صالح، وأرسل إلى سعيد باشا ونصحه بالطاعة وترك القتال، والانقياد لأوامر الدولة العلية والامتثال، فأبى سعيد باشا قبول هذا الكلام، وصغى إلى قول من أشار عليه بالعناد والخصام، وما قصدهم بالحرب إلا النهب وأخذ الأموال، وتخريب البلاد وقتل الرجال، فلما رأى حمود مخالفة سعيد باشا له عرف أنه لا طاقة له على مبارزة داود وأن من حسن له أمر المخالفة فقد حسن له المذموم لا المحمود، ففر من منزله ورجع إلى وطنه ومقره، وترك سعيد باشا يتقلب على فرش ضره. وتوجه داود باشا من الكركوك إلى بغداد، ومعه نحو الألفين من الأكراد، فخافته العباد، وهابته البلاد، فلما قرب من الزوراء، وقع بين الأهالي ثورة عظيمة وغوغاء، ومرادهم إخراج سعيد باشا بالتي هي أحسن، فدخل سعيد باشا القلعة وبها تحصن، فأرسل أهال بغداد لداود باشا بالدخول، وأنه هو حاكمهم وراعيهم والمحاسب عنهم والمسؤول.

<<  <   >  >>