للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فدخل بغداد بعد الظهر خامس ربيع الثاني سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وألف، ووفد عليه العلماء والفضلاء وهنأه الأدباء والشعراء، لأنه هو الذي كان يعرف مقامهم، وينشر بين الناس أعلامهم، ويكرمهم غاية الإكرام، ويعاملهم بالإحسان والإنعام، فلما استقر في مركز الحكومة، خمدت الشرور والفتن، ورجع إلى الصواب من كان افتتن، وأمنت الطرقات وذهبت المخوفات، وارتاح أهل الكمال، وتعب ذوو الغرور والوبال، لعلمهم أنه ظهر الذي يعاقب المجرمين، ويحسن إلى المحسنين، فرفع أهل الفضائل والعلوم، ونفذ أوامر الدولة حسب الأمر المرسوم. وبعد استيلاء المترجم المرقوم على بغداد، قتل سعيد باشا الوزير السالف، وكان قتله على مراد الوزير داود باشا المترجم وبإشارته. وذكر الشيخ عثمان بن سند البصري أن حضرة العارف بالله الشيخ خالد الحضرة النقشبندي المتقدم الترجمة في حرف الخاء، قد مر على بغداد سنة تسع وثلاثين ومائتين وألف في أيام ولاية المترجم، فبلغ المترجم أن الشيخ المرقوم عليه ديون، فأمر بوفائها وكانت ثلاثين ألف غازي محمودي كبير، وصرفها الوالي دفعة واحدة، وهذا أمر نادر قل ما يوجد له نظير، وغب سنة اثنتين وأربعين ومائتين وألف تمت سلطنته، وتناهت قوته، وأطاعه جميع أهالي العراق من حاضره وباديه وكرده وعجمه، وقد تاقت نفسه لأن يكون سلطاناً مستقلاً، وقد جلب الصنائع والصناع إلى بغداد من أهل أوربا، بل ومن سائر الأقطار، وأخذ في أسباب التمدن والعمران، وأمر بصنعة المدافع والبنادق على الطراز الجديد، وشكل جيوشاً عسكرية منظمة بتعليمات مخصوصة اخترعها لهم، إلى أن بلغت جيوشه أكثر من مائة ألف، وبهذه الجيوش والاستعداد طمع في أنه يستولي على جميع آسية الصغرى والكبرى، وكان دائماً مطمع أنظاره الاستيلاء على بلاد العجم، وقد داخلهم الرعب

<<  <   >  >>