وقد كان محمد علي باشا لما انعقد الصلح بينه وبين مولانا السلطان عبد الحميد سنة خمس وخمسين ومائتين وألف جعلت له مصر ولأولاده من بعده، فلما صارت ولايتها لإسماعيل باشا أراد حصر الولاية في أولاده ومنع إخوانه وأولاد إخوانه منها، فتوجه إلى دار السلطنة في مدة السلطان عبد العزيز سنة إحدى وتسعين ومائتين وألف فتم له مراده، وجعلوا ولاية مصر له ولأولاده الأكبر فالأكبر، وكان الصدر الأعظم في ذلك الوقت في دار السلطنة هو محمد رشدي باشا الشرواني.
ثم أن الله قضى وقدر أن عاقبة هذا الأمر الذي فعله إسماعيل باشا أول ما ظهر سوءه عليه، فإنه في سنة ست وتسعين ظهر عليه كثيرة ديون أخذها من الدول الأجنبية وأنفقها في غير حقها، فتشاور أهل الديون على أنهم يضبطون خراجات مصر ومحصولاتها لأجل استيفاء ديونهم، فلما أحس بذلك أراد أن يجعل لهم عصبية يمنعهم بها، فتداخل مع العلماء وأهل مصر وعقد بينه وبينهم عهوداً ومواثيق على أن الأمور كلها تكون بيد العلماء والأهالي وبمشاورتهم، فملا أحس الإنكليز والفرنسيس وغيرهما بانعقاد هذه العصبية سعوا في خلعه ووافقهم على ذلك مولانا السلطان عبد الحميد، فخلعوه في سنة ست وتسعين وجعلوا ولاية مصر لولده الأكبر محمد توفيق باشا عملاً بما تقرر قبل ذلك حين نفى إخوته وبنيهم من دخولهم في الولاية من بعده، وإن الولاية من بعده تكون لأكبر أولاده فأقاموا عليها ولده الأكبر وهو محمد توفيق باشا، وتوجه والده إسماعيل باشا بعائلته وبقية أولاده إلى نابولي من بلاد إيطاليا، وجعل له مرتب من محصولات مصر وخزينتها.
وفي سنة سبع وتسعين ومائتين وألف استولت دولة الفرنسيس على تونس وأعمالها بالمكر والخديعة والحيلة، فجهزت دولة الفرنسيس عساكر