كثيرة وأظهرت أنها تريد تأديب بعض قبائل العرب العصاة، منهم قبيلة يقال لهم الخمير في أعمال تونس، فوصلوا بعساكرهم إليهم وقاتلوهم وقهروهم ثم زحفوا بعساكرهم إلى تونس، ولم يستطع أحد أن يدفعهم إلى أن قاربوا دخول تونس، فاضطرب أهل تونس اضطراباً كثيراً، ثم عقدوا معهم صلحاً وأدخلوا طائفة من عساكرهم تونس وأبقوا الباي وهو حاكم الإقليم على ولايته بحسب الظاهر، واستولوا في الباطن على الأحكام والمحصولات والخراجات، واستقبلوا الديون التي كانت على والي تونس، وصارت الأمور كلها بأيديهم فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وفي سنة ثمان وتسعين ومائتين وألف كانت فتنة بمصر بين والي مصر توفيق باشا وبين عرابي باشا، وكان عرابي باشا من رؤساء عساكر محمد توفيق باشا، واتسع الأمر في ذلك، فجاء الإنكليز بعساكرهم البحرية نجدة لمحمد توفيق باشا إلى الإسكندرية، وضربوا مدافعهم على الإسكندرية، وقاتلوا الذين كانوا مع عرابي باشا، وكان ذلك في شعبان ورمضان سنة تسع وتسعين، واتسع الأمر بما يطول الكلام بذكره، وكانت الغلبة لتوفيق باشا ومن معه من الإنكليز، وتملكوا الإسكندرية، وذهب عرابي باشا ومن معه إلى مصر، ثم سارت الإنكليز بعساكرهم لقتاله بمصر، والكلام على ذلك طويل، وآخر الأمر أنه انهزم عرابي باشا ومن معه، ثم دخلوا مصر وقبضوا على عرابي باشا وعلى كثير ممن كانوا معه، فقتلوا جماعة منهم ونفوا جماعة نفياً موقتاً، وجماعة نفياً مؤبداً، وصار العفو عن قتل عرابي باشا ونفوه مع بعض من كانوا معه إلى جزيرة سيلان من أعمال مليبار من بلاد الهند، وجعلوا إقامته ومن معه هناك، ورتبوا لهم مرتباً يكفيهم. واستولى الإنكليز على القطر المصري، ووضعوا عساكرهم في القلعة على صورة أنهم إنما فعلوا ذلك إعانة لمحمد توفيق باشا وأبقوه على ولايته.