والإنكليز مع ذلك كله يقولون ليس مرادنا الاستيلاء على مصر وإنما مرادنا الاصطلاحات والتأييد لمحمد توفيق وإذا استقامت الأمور وانتظمت أحوال مصر نخرج منها وتخرج عساكرنا.
وفي سنة سبع وتسعين ظهر رجل بالسودان يسمى محمد أحمد يقال أنه المهدي أو قائم طالب لإظهار الحق ولم يدع أنه المهدي، ويقال أنه شريف حسني، وكان قبل ظهوره مشهوراً بالصلاح ومن مشايخ الطرائق، قيل إنه على طريق الشيخ السمان، وأول ظهوره أنه لما كثرت أتباعه ومريدوه وقع اختلاف بينه وبين العساكر المصرية المتملكين للسودان عمالاً لصاحب مصر محمد توفيق باشا، ثم اتسع الأمر بينهم وبينه إلى القتال، وقاتلوه وقاتلهم مراراً، وكانت الغلبة لمحمد أحمد عليهم حتى استولى على كثير من بلاد السودان وأخرجهم منها، فلما دخل الإنكليز مصر صار الإنكليز هو الذي يجهز عليه العساكر ويقاتله بعساكر الإنكليز ومعهم عساكر مصر، ووقع بينهم وبينه وقائع كثيرة يطول الكلام بذكرها، والغلبة في تلك الوقائع كلها له عليهم، فتملك كردفان وكسلة والخرطوم وبربرة ودنقلة وغير ذلك، وقتل منهم خلقاً كثيراً لا يحصى عددهم، وكان أمره معهم عجيباً يأتون إليه بالعساكر الكثيرة، والمدافع والآلات الشهيرة التي لا يطيق أحد مقابلتها، فيقابلهم بجيوشه السودانيين وليس معهم إلا السيف والرمح والسكاكين، فيهجمون على تلك العساكر في موضعهم ومحط جيشهم ولا يبالون بمدافعهم وآلاتهم حتى يخالطوهم ويقتلوا أكثرهم من قرب طعناً بالرماح وضرباً بالسيوف والسكاكين، ويشتتون شملهم، ومنهم جماعة في براري سواكن قد ولى محمد أحمد عليهم رجلاً يسمى عثمان ذقنه، فجاء بمن معه من السودان لمحاصرة سواكن وإخراج الإنكليز والعساكر المصرية منها فخرجوا إليه بجيوشهم الكثيرة، وآلاتهم ومدافعهم الشهيرة، فهزمهم عثمان ذقنة ومن معه من السودان هزيمة بعد هزيمة، وقتل الكثير منهم حتى أنهم جاؤوه في