رب الأرباب، فيتمتعون بوصال المحبوب، ويحوزون على المنى والمرغوب، فهذا السائر الكامل الذي لم يكن سيره طلباً لثواب، ولا رهبة من عقاب، بل كان سيره في مقامات السائرين إلى رب العالمين. وهذه المقامات ثلاثة: مقام الإسلام ومقام الإيمان ومقام الإحسان، وإنما انحصرت مقامات السائرين إلى الله تعالى في هذه الثلاثة، لأن الإنسان لما كان من مبدأ ظهوره في النشأة الدنيوية الحسية إلى أن يبلغ مبلغ التمييز والعقل، إنما كان الغالب عليه أحكام الطبع والجهل بمبدئه ومعاده، عاملاً بحكم طبعه وهواه ومراده، فعندما عقل وأحس بالمبدأ والمعاد وأخذ في السير من طبعه إلى ربه بحكم شرعه، إما أن يكون في مبدأ هذا السير مع غلبة حكم الطبع وغلبة اقتضاء النفس الملهمة فجورها، فهو في مقام الإسلام، وهذا مقام الذي قال لا إله إلا الله محمد رسول الله من زمن سيدنا آدم على الفرض إلى يوم القيامة. وإما أن يكون في وسطع وذلك بظهور أحكام الروح الروحانية على أحكام الطبع والنفس حتى تصير مقتضيات الأمور الحسية والإرادات الطبيعية والجهالات النفسية، مقهورة تحت روحانيته، ومقتضاها من الإرادات العقلية والإدراكات العلمية، فهو في مقام الإيمان الذي هو مقام قبول الروح لما غاب عن الحس، وهو مقام غربة النفس. وإما أن يكون في آخر سيره من نفسه إلى ربه فهو في مقام الإحسان، وذلك بأن يخلص من الاعتدال، لاستغنائه بالشهود عن الاستدلال، ولخلاصه من شتات الأسفار، بالحصول في محل القرار، فاتحدت العين بالعين، وزال الأين من البين، فحينئذ أفناه التوحيد عن توحيده، وجرده الوجود عن تجريده، فانطمست عين تكثيره في تفريده، وأشرقت شمس واحديته في تعديده، قد وحد الحق ذاته عنه، وأوصل بصفة البقاء إليه بعد الفناء لطيفة منه، فصح فيه قول من قال: