يبلغون نحو ثلاثة آلاف من النسمات، ولما ألقت المراكب مراسيها نزل إبراهيم باشا إليها وخيم في نواحيها، فتزلزت بقدومه الديار الشامية، وارتجت من هيبته رجة قوية، وأما باقي الجيش والعسكر، الذي سار على طريق البر الأقفر، فإنه كان قد واصل التسيار، وجد في قطع البراري والقفار، فأشرف على عكا من الجهة الجنوبية، في عشرين من تشرين الثاني " سنة ١٨٣١ مسيحية "، وانضم إلى باقي الجيوش المصرية، وكان لما بلغ عبد الله باشا هذا الخبر، وأبصر الجيش والعسكر، أحاط به الخوف وانذعر، وطار من عينيه الشرر، ففرق الأموال، وجمع الفرسان والأبطال، وشرع في تحصين القلع والأسوار، واستعد للقتال والحصار، وأرسل يستدعي من حوله من الأكابر والأعيان، وكتب بخط يده إلى الأمير بشير حاكم لبنان، يستنجده لهذا الأمر، ويقول له: إن المشايخ بني الجرار وبني صقر وعرب السلط وبني صخر ينتظرون قدومه إليهم، ليكون رئيساً عليهم. وفي أثناء ذلك يذكره بالصداقة القديمة والمحبة، ويثنى على أمانته وحفظه المودة والصحبة، متمثلاً بقول الشاعر:
وأنت الخالص الذهب المصفى ... بتزكيتي ومثلي من يزكي
وكانت عكا في تلك الأيام، من أشهر مدن بر الشام، وكرسي الولاة والحكام، ذات أبراج حصينة، وقلاع متينة، مشحونة بالذخائر والمهمات، وآلات القتال والجباخانات، وفيها من رجال الحرب، وفرسان الطعن والضرب، نحو خمسة آلاف مقاتل، بين فارس وراجل، وكان إبراهيم باشا صاحب الهمة العلية، قد تقدم نحو عكا في فرقة قوية، من الفرسان والطوبجية،