الجهادية، لاستخلاص الديار الشامية، انتقاماً من عبد الله باشا بأمر الحضرة الخديوية، فإن كان ذلك لا يوافق دولة الإنكليز، فعليها أن تخاطب به جناب والدي العزيز، فمتى أمرني بالرجوع، عدلت عن هذا المشروع، وإلا فلا أرجع بدون ذلك، ولو قامت علي جميع الممالك، ثم نهض على الأثر وتوجه قاصداً المعسكر، ولم يلتفت إلى حديث مستر أبوت وكلامه، ولا اكترث بتعنيفه وملامه، واستمر على ما كان قد قصد. من ضرب الأسوار وهدم البلد، فلما انقضت مدى الميعاد المعهود، وفات وقت الأجل الموعود، وعبد الله باشا ما زال مصراً على عدم تسليم المدينة، معتمداً على قوته وعلى أسوارها الحصينة، استعد إبراهيم باشا وتأهب، في اليوم الرابع من شهر رجب، إلى ضرب المدينة، وهدم أبراجها المتينة، فأرسل إلى رؤساء الطوبجية، وقائد العمارة الحربية، يأمرهم بإطلاق النار، على الأبراج والأسوار، فامتثلوا ما أمر، ولم يمض إلا لمحة بصر، حتى أطلقت المدافع والقنابل، على الحصون والمعاقل، وكان الضرب متواصلاً من الخارج والداخل، كالغيث الهاطل، وكان قد أرسل إلى الأمير بشير حاكم الجبل، كتاباً يستدعي حضوره بالعجل، ليقرره في مركز حكومته، ويعيش في ظل نعمته، فلما وقف على هذا الخطاب، داخله الخوف والاحتساب، وجمع أكابر لبنان، ومن يعتمد عليهم من الأعيان، واستشارهم في هذا الشأن، فاستقر رأي الجمهور، على عدم التسليم والحضور، خوفاً من عواقب الأمور، فلما أبطأ في قدومه، وأصر على عدم تسليمه، استشاط إبراهيم باشا غضباً، وتبدل واسع حلمه لهباً، وكان قد صمم النية، على أن يدهمه بالعساكر النظامية، ويقبض عليه جبراً، ويستولي على لبنان قوة وقهراً، ثم توقف وعدل، عن هذا العمل، لأن أباه كان أوصاه به قبل خروجه من القاهرة، وبالعساكر الظافرة، نظراً لما كان وقع له عنده، من التقرب في المودة، وذلك عند زيارته الديار المصرية، وتمثله أمام