فلعمري لقد أنار الله به ربوع الفضائل، وأدار على محور عليائه مدار شمائل الأفاضل، ونشر للخافقين أجنحة الثناء عليه، وجمله بما كمله به من العواطف النبوية الآيلة بالإرث إليه، وخفضت هيبة جلالته العيون عن النظر في محياه، وحجبت عظمة ذاته المصطفوية الظنون عن توهمها إحصاء نعمته وحلاه:
فهو الهمام الذي صحت سيادته ... واشتق من خير خلق الله عنصره
مهذب فطن كادت فراسته ... عما بقلبك قبل القول تخبره
من معدن المجد حقاً كان هيكله ال ... عالي وكاد فؤاد اللطف يضمره
هذا وإن غوامض فكره تحكي الدراري عداً، وفرائض شكره لم تبلغ الألسنة لها حداً، فاق على الكرا بكرمه المشهور، وراق لديه الإنعام حتى صار به كالعلم المنشور، ونحته المعالي إلى أن وقفت ببابه وتخيرته لأن تكون مقصورة على سموها بجنابه:
ربيع إذا ما زرته زرت روضة ... يفتح فيها جوده حدق الزهر
إذا يده البيضاء أخرجها الندى ... فقد نلت ما ترجوه من وافر البر
فحدث وقل ما شئت في شأن فضله ... فقد صح عندي أنه زينة الدهر
فلا ريب أنه عماد بيت قد ارتفعت بالشرف علائمه، ومفرد وقت قد ارتقت على ذروة المجرة دعائمه، وملاذ يمن لمن أم ساحة إشراق بدره، ومعاذ أمن لمن يممه مشفقاً من إملاق دهره، كيف لا وهو الذي استرق الأفئدة نوالاً، واستحق الأثنية جمالاً وكمالاً، مع كونه مجلي دقائق العلوم، ومولى من تحلى بفهم حقائق المنطوق والمفهوم:
من كان يجهل في الأنام كماله ... فأنا الذي أرويه من أنبائه
فيمينه كنز العطية والغنا ... وشماله لم تدر جود عطائه