وصفاته نجم السماء يعدها ... وجبينه للدهر بدر سنائه
وكلامه الدر الثمين وعلمه ... قد فاق ضوء الشمس في إهدائه
ولد حفظه الله تعالى وأبقاه، وأعلى في معارج السعادة والسيادة مرتقاه، في أوائل ذي الحجة الحرام، سنة ألف ومائتين وتسع وخمسين من هجرة جده سيد الأنام، فبسمت له ثغور الأفراح، وحل طالع سعده في برج الإقبال والنجاح، ولحظته عين الرئاسة منذ كان طفلاً، ونظرته حدقة الفراسة فوجدته لكل رفعة أهلاً، ولقد تمثل الدهر لوالده المعظم بين يديه، وغدا يشدوه مهنئاً له بما لديه:
بملاذنا غوث الأنام لك الهنا ... أبداً وقابلك الزمان بسعده
قد خصك المولى الكريم به وقد ... ود الهلال يكون خادم عبده
فرفع قدم الصعود منذ كان صبياً، وارتفع على كاهل السعود فكان من ابتداء أمره علياً. ولم يزل مذ كان في حجر أبيه، تنميه يد الإجلال وتربيه، وهو يعرج على مدارج الكمال، وينتقي أعلى الشمائل والخصال، ويتخلق بأخلاق السادة ممن سلف، ويتحقق بحقائق ذوي السعادة والشرف، وذلك في البلدة المكرمة، والبقعة الشريفة المعظمة، مكة التي بها أميطت عنه التمائم، وتحلت بعقود حلاه أجياد الفضائل والمكارم، محوطاً بسور إمارة والده على الأقطار الحجازية، وكان الذي ولى والده هذه الإمارة العلية، حضرة المرحوم السلطان محمود سنة ألف ومائتين وسبع وستين. وحينما انفضل والده من الإمرة توجه إلى الآستانة العلية بطلب أمير المؤمنين، فتوجه معه المترجم وكان عمره ثماني سنين، فقرأ القرآن العظيم وأجاده، ثم أقبل على طلب العلم فوق العادة، ونهج مناهج