[بث روح الحماس والعزة في نفوس الناس]
ولا بد أن نطرح أسئلة على هؤلاء المسلمين اليائسين فنقول لهم: هل شباب الإسلام الآن أكثر التزاماً، أم أنهم كانوا أكثر التزاماً في السنوات الماضية؟ إن كبار السن الذين قد بلغوا من العمر الخمسين أو الستين سنة ليشهدون بأن الشباب اليوم هم خير وأفضل وأكثر استقامة وسداداً من الشباب الذين كانوا قبل ثلاثين أو أربعين سنة، وهذا إن دل فإنما يدل على أن الأمة إلى خير بإذن الله تعالى.
ونطرح أيضاً هذا السؤال؟ كلمة الجهاد التي ترهب أعداء الله وتخيفهم! هل كانوا يسمعونها قبل خمسين أو ستين سنة؟ فقد طمست معالمها حتى في معاهد العلم الشرعي، فقد كانوا يطوونها طياً، بل إن بعض الكتب التي ألفت في تفسير القرآن نجد أن آيات الجهاد كانت تطوى طياً، ثم إذا مروا على غيرها من الآيات فيقولون: ولنا هنا وقفات، ويبدءون في التفصيل والتفريع والتقسيم، وأما آيات الجهاد بل وسور الجهاد فإنها تطوى طياً، والآن نجد الناس يسألون عن الجهاد، ولهم رغبة في معرفة فقه الجهاد وآداب الجهاد، ونفوسهم تتوق إلى هذه الكلمة التي عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذروة سنام الإسلام.
ونطرح سؤالاً آخر فنقول: أليس جمهور المسلمين يتوقون إلى أن تحكيم شريعة الله؟ وإلى أن يحل الحلال ويحرم الحرام؟ أليس جمهور المسلمين الآن نافرين من تلك الأنظمة المستوردة مما فرض على بلاد المسلمين شرقاً وغرباً؟ فالناس الآن زاهدون في هذا كله، ويتوقون إلى العودة إلى شريعة ربهم التي جاءت صفواً، ويتوقون إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة، وهذا يلمس في كل مكان.
لذلك: نقول للناس: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:٢١٤]، فهذا وعد ربنا في القرآن والله لا يخلف الميعاد: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:٢١٤].
{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ} [آل عمران:١٤٦] أو قُتِلَ {مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ} [آل عمران:١٤٦ - ١٤٨] أي: جنتاً ونعيماً.
ونقول لهم: (جاء بعض الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا له: يا رسول الله! نصبح ونمسي في السلاح، أي: أنهم يشتكون رضوان الله عليهم، فهم في المدينة دائماً في حالة طوارئ وخوف من اليهود ومن المنافقين ومن قبائل الأعراب التي تحيط بالمدينة ولم تدن بعد لله، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله عز وجل هذه الآية: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور:٥٥]).
وقد صدق موعود ربنا فيها في هذه الآية، فقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والإسلام محصور في جزيرة العرب ونجد والحجاز وتهامة واليمن، ولم يمض سوى عقدين من الزمان (عشرين سنة) حتى كان الإسلام قد بلغ الشام والعراق وفارس ومصر والشمال الإفريقي، بل وبلغ الإسلام إلى حدود الصين شرقاً، ودق أبواب فرنسا غرباً، والآن يقول العارفون بحقائق الأمور: إن الإسلام هو أكثر الأديان انتشاراً، وليس ذلك في أدغال إفريقيا، ولا في أحواش آسيا، ولا في أطراف الدنيا، بل في أوروبا وأمريكا، وليس يدخل فيه أقوام يبحثون عن كسوة أو غذاء أو جرعة دواء، بل يدخل فيه عِلية القوم من علمائهم ومفكريهم ومثقفيهم ممن يستطيعون أن يميزوا الخبيث من الطيب، فهؤلاء هم الذين يدخلون في دين محمد صلى الله عليه وسلم.
ولذلك؛ (لما جاء عدي بن حاتم وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يجادله ليدخله في الإسلام قال له: ما حملك على الفرار أغاظك أن يقال: الله أكبر، فهل أحد أكبر من الله؟ أغاظك أن يقال: لا إله إلا الله؟ فهل إله غير الله؟ يقول عدي رضي الله عنه: رأيت أصحابه يحفون به إن تكلم سكتوا، وإن أمر ابتدروا، فقلت: إن هذا ملك، فهذه أخلاق الملوك، يقول عدي: فلما قام إلى بيته تبعته عليه الصلاة والسلام من المسجد إلى بيته، فاستوقفته امرأة عجوز فوقف يناجيها طويلاً، فقلت: والله ما هذه أخلاق ملك! قال: فلما دخلت معه بيته ألقى إلي وسادة وقال: اجلس عليها، قلت: بل اجلس أنت، قال: لا، بل اجلس أنت، فأجلسني على الوسادة وجلس على الأرض، ثم قال له: يا عدي! لعله يمنعك من الإسلام ما ترى من ضعف أصحابي؟ قال: بلى، قال: ولعله يمنعك من الإسلام ما ترى من فقرهم؟ قال: بلى، قال له: أسلم فإنه يوشك إن طالت بك حياة أن ترى الظعينة تخرج من الحيرة، أتعرف الحيرة؟ قلت: لا، لكنني سمعت بها، قال: يوشك إن طالت بك حياة أن ترى الظعينة -المرأة المسافرة- تخرج من الحيرة حتى تطوف بالبيت ليست في جوار أحد إلا الله، ويوشك إن طالت بك حياة أن تفتح كنوز كسرى بن هرمز، ويوشك إن طالت بك حياة أن ترى المال يعطى صحاحاً فلا يقبله أحد، قال عدي رضي الله عنه: فوالله لقد عشت حتى رأيت الظعينة تخرج من الحيرة حتى تطوف بالبيت ليست في جوار أحد إلا الله، وكنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هرمز، والله لتقعن الثالثة كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم).
إن المسلمين الآن بحاجة إلى يقين كيقين عدي، فلا بد أن يعتقدوا أن الله لا يخلف الميعاد، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وأن كل ما أخبر الله به في القرآن، وكل ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام فيما صح من سنته لابد كائن ولابد واقع، فهذا الأمر نحتاج إليه ونحتاج أن نذكر الناس به.
أسأل الله عز وجل أن ينصر دينه وكتابه وسنة نبيه وعباده الصالحين.
اللهم انصر من نصر دينك، واخذل من خذل دينك، اللهم انصر من نصر دينك، واخذل من خذل دينك، اللهم انصر من نصر دينك، واخذل من خذل دينك.
اللهم من أرادنا وبلادنا والإسلام والمسلمين بخير فأجري الخير على يديه، ومن أرادنا وبلادنا والإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، وأشغله بنفسه، واجعل تدميره في تدبيره، وأهلكه كما أهلكت عاداً وثمود.
اللهم إنا نسألك يا أكرم الأكرمين! ويا أرحم الراحمين! لإخواننا المجاهدين في كل مكان نصراً عزيزاً، وفتح قريباً، اللهم انصر عبادك المجاهدين في كل مكان، اللهم ثبت أقدامهم، وقوي شوكتهم، واجمع كلمتهم، وسدد رميتهم، وانصرهم على من عاداك وعاداهم يا أرحم الراحمين! ويا أكرم الأكرمين! وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى جميع المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله.