[تفسير قوله تعالى:(يوم يكون الناس كالفراش المبثوث)]
ثم بدأ ربنا جل جلاله يفصل بقوله:{الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ}[القارعة:١ - ٣] فبعد أن اشتاقت الأسماع وتهيأت الأذهان لمعرفة ما يكون في ذلك اليوم قال الله عز وجل: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ}[القارعة:٤ - ٥] يعني: يوم يكون الناس وتكون الجبال، الكون الأول كون تحول، والكون الثاني كون اضمحلال.
قوله تعالى:{يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ}[القارعة:٤]، الفراش واحدته فراشة، وهي دواب صغار تطير وتحوم دائماً حول النور، أو حول النيران، والحديث في صحيح مسلم ومسند أحمد عن جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وما مثلي ومثل الناس إلا كفراش يحوم حول النار ليقع فيه، فأنتم تريدون أن تقعوا في النار وأنا آخذ بحجزكم عنها)؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله الله عز وجل حجاباً وحاجزاً يمنعنا من الوقوع في النيران، كما قال سبحانه:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الأنفال:٣٣]، وقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:١٠٧]، وقوله تعالى:{يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ}[القارعة:٤]، وقوله عز وجل: (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرٌ} [القمر:٦ - ٧]، وفي سورة القارعة شبه الناس بالفراش، وهنا شبههم بالجراد، قال أهل التفسير: ولا تعارض في هذا فهم في أول خروجهم من القبور يكونون كالفراش متخبطين لا يهتدون إلى مكان، ولا يقر لهم قرار، ثم بعد ذلك إذا سيقوا إلى المحشر، وكانت النار خلفهم تطردهم، فإنهم يكونون كالجراد المنتشر؛ لأن الجراد يسير أسراباً نحو هدف مقصود، أما الفراش فإنها تتخبط دون هدف معين.