[تحريم مشابهة أهل الكتاب في الأخذ ببعض الكتاب وترك بعضه]
قال تعالى:{ادْخُلُوا فِي السِّلْم كافهٌِ}[البقرة:٢٠٨]، قوله ((كَافَّةً)) قالوا: حال من السلم، وأصلها من كف يكف، بمعنى: منع، وعلاقة الجملة شدة الالتزام، كما يقول الألوسي رحمه الله: وأنها مانعه للأجزاء من التفرق.
بمعنى أن الله عز وجل يريد منا ألا نشابه أهل الكتاب، فالذين قالوا: نؤمن ببعض ونكفر ببعض، قال الله عز وجل عنهم:{أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ}[البقرة:٨٧]، وقبلها قال:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ}[البقرة:٨٧]، فالذين جعلوا القرآن عضين، بعضوه وجزءوه، فأطلقوا عبارات يقولون فيها: الدين لله والوطن للجميع، أو يقولون فيها: المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات، بمعنى: التسوية بين الكافر والمؤمن، بين الصالح والطالح، ونسمع دعوات إلى وحدة الأديان أو إلى ديانة إبراهيمية تجمع أتباع الملل الثلاثة، فهؤلاء جميعاً الدعاة إلى هذا الباطل يخاطبون بهذه الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ٌ}[البقرة:٢٠٨]، ومثلهم أيضاً الذين يريدون أن يتملصوا من بعض شعائر الإسلام، فيريدون مثلاً أن يغيبوا الجهاد ويذموه، أو يريدون أن يغيروا تشريعات الإسلام فيما يتعلق بحقوق الطفل وحقوق المرأة، ويوافقوا تلك الاتفاقات الدولية والمعاهدات العالمية التي قامت على الزور والباطل وتشريع ما لم يأذن به الله، فهؤلاء جميعاً نقول لهم كما قال تعالى:((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)) أي: خذوا الدين كله، وكما قال الله عز وجل:{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}[مريم:١٢] وكما خاطب بني إسرائيل: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:٦٣]، أما إن كان يريد أن يأخذ الدين في الجزء الذي يتعلق بالمساجد، وشهر رمضان وأيام الحج، ثم بعد ذلك يريد أن يسير على هواه في الأمور الأخرى، فهذا لم يدخل في السلم كافه، وإنما دخل في جزء من السلم، ودين الله عز وجل لا يقوم به إلا من أحاط به كله، قال تعالى:((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)).