[معرفة سبب النزول تبين لنا أن صورة السبب داخلة في عموم الحكم]
الفائدة الخامسة: أن سبب النزول غير خارج من حكم الآية فيما إذا كان لفظ الآية عاماً وورد مخصص لها، فبمعرفة سبب النزول يعلم أن ما عداه يشمله هذا التخصيص، أما سبب النزول فهو داخل في العموم، وهذا بإجماع العلماء أن صورة السبب داخلة في الحكم، مثلاً: قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ}[الأحزاب:٥٣]، (إناه) أي: نضجه؛ ولذلك قال الله عز وجل عن أهل جهنم والعياذ بالله:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ}[الغاشية:٢ - ٥] يعني: تناهى حرها.
فيكون معنى الآية السابقة: أيها المؤمنون! لا تدخلوا بيت الرسول عليه الصلاة والسلام إلا بعد استئذان، وإذا دعاكم إلى طعام فأتوه وقت الطعام، ولا تجلسوا فترة طويلة تنتظرون نضج الطعام.
وسبب النزول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب بنت جحش أولم وليمة، وجاء بعض الصحابة فأكلوا وانصرفوا إلا رجلين بقيا يتكلمان، ويستأنسان، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن عنده إلا غرفة واحدة، قال الحسن البصري: دخلت بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا فتى -يعني: شاب- فكنت إذا رفعت يدي نلت سقفها، وإذا مددت رجلي نلت جدارها، وهذان الرجلان قعدا يستأنسان، وبقيت زينب رضي الله عنها ووجهها إلى الحائط تنتظر خروجهما، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حيياً، فبقي صلى الله عليه وسلم يدخل ثم يخرج ويدخل ثم يخرج لعلهم يشعرون بذلك ويخرجون، ولكنهم لم ينصرفوا، فنزلت الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}[الأحزاب:٥٣].
فالحكم هنا عام، فبيتي وبيتك مثل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجوز دخول البيوت إلا بإذن.
فإذا قال قائل: إن هذا الحكم خاص بالنبي فنقول: تدخل بيوت الرسول صلى الله عليه وسلم دخولاً أولياً؛ لأن الآية نازلة في شأنه عليه الصلاة والسلام.
وهذا دليل على أن سبب النزول يستفاد منه أن الخاص يدخل تحت حكم العام، فإذا وجد التخصيص كان هذا التخصيص شاملاً لما عداه.