[حكم الصلاة على القبور أو إليها وحكم بناء المساجد عليها]
إن من الأخطاء التي يقع فيها بعض المصلين: الصلاة على القبور وإلى القبور، فالنبي صلى الله عليه وسلم لعن اليهود والنصارى؛ لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ولذلك فإن دفن الميت في المسجد وبناء المسجد على القبر حرام لا يجوز، وأما الاحتجاج على الجواز بقول الله عز وجل: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} [الكهف:٢١]، فالجواب عليه من وجهين: الوجه الأول: أن هذا في شرع من قبلنا، وشرع من قبلنا ليس شرعاً لنا.
الوجه الثاني: هذا القول لا ندري أهو من قول قوم مسلمين، أو من قول قوم كافرين، وكلمة المسجد ليس معناها: بناء المسلمين المعروف، وإنما المسجد: كل موضع اتخذ للسجود، سواء كان سجوداً لله أو لغير الله.
وإذا حكى الله مقالة قوم وما ذمهم ولا عقب عليهم بنهي فمعنى ذلك الجواز.
واحتج بعض الناس بأن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم موجود فيه قبره، ويجاب على ذلك بأنه لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلف الصحابة في مكان دفنه، فبعضهم قال: يدفن بالبقيع، وبعضهم قال: في مكة.
ثم هداهم الله إلى قوله صلى الله عليه وسلم: (ما قبض الله نبياً إلا ودفن حيث قبض) فحفروا له تحت فراشه في حجرة عائشة؛ ولأن حجرة عائشة ما يقول عاقل: إنها كانت في داخل المسجد.
إذاً: هذا ليس فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من فعل أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي، فما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا باتباعه، ولا من فعل الخلفاء الراشدين الذين أمرنا بأن نعض على سنتهم بالنواجذ.
ثم استمر الحال في عهد الحسن بن علي، ثم في عهد معاوية، ثم في عهد يزيد بن معاوية، ثم في عهد معاوية بن يزيد بن معاوية، ثم في عهد مروان بن الحكم، وفي عهد عبد الله بن الزبير لما بويع بإمرة الحجاز، ثم في عهد عبد الملك بن مروان، وهؤلاء سبعة خلفاء بعد الراشدين، ثم الذي غير هذه السنة هو: الوليد بن عبد الملك.
وقد اعترض على ذلك العلماء وبينوا لـ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بأن هذا يخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الوليد بن عبد الملك أمر بإنفاذ ما رأى.
ولا يمكن أن نحتج بفعل الوليد ونترك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل لا يحل لنا أن نحتج بقول أبي بكر ونترك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو ظهر بأن بين القولين اختلافاً.
فبناء المساجد على القبور لا يجوز، وأما لو بني مسجد على قبر وأراد الناس أن يقيموا شرع الله، فهل يخرجون القبر من المسجد، أو يهدمون المسجد ويبقى القبر؟ والجواب على ذلك بأن هناك قاعدة تقول: الحق اللاحق لا يرده الحق السابق، فالميت إذا دفن ثبت حقه في المكان الذي دفن فيه؛ لقوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً ?وَأَمْوَاتًا} [المرسلات:٢٥ - ٢٦]، أي: تضمكم على ظهرها أحياءً وفي بطنها أمواتاً، فإذا بني مسجد على ذلك المكان فلا ينبش القبر، وإنما يهدم المسجد، وإذا كان المسجد قد بني أولاً، ثم أدخل القبر فالحق للسابق وهو المسجد، فينبش القبر ويخرج الميت ويدفن في مقابر المسلمين.