قال الله عز وجل:((فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ)) أي: لعيب في أخلاقهن؛ لأنها غضوبة، أو لأن صوتها عالٍ، أو لدمامة في خلقهن؛ لأنها ما صارت جميلة في عينيك، أو لتقصير في العمل الواجب عليها، فقد لا تحسن المرأة العمل في البيت فلا تعرف طبخ الطعام، ولا ترتيب الأمور، أو ربما تميل إلى غيرها، فإذا حصلت الكراهية في تلك الحال فاصبروا ((فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا))، فهذه التي كرهتها ربما يجعلها الله عز وجل سبباً لدخولك الجنة، فإن كرهتموهن فاصبروا ولا تعجلوا بمفارقتهن، ((فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا))، قال ابن عباس: هو أن يعطف عليها فيرزق منها ولداً ويكون في ذلك الولد خير كثير.
ومن الخير الكثير في ذلك امتثال أمر الله وقبول وصيته التي فيها سعادة الدنيا والآخرة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر)، فلذلك سيدنا عمر لما جاءه رجل قال له: إني أريد أن أطلق، قال: ولم؟ قال: لا أحبها، فضربه رضي الله عنه وقال: أكل البيوت تبنى على الحب، فأين الرعاية؟ إنما يتعايش الناس بالإسلام والإحسان، يعني: ليس بالضرورة أن يكون هناك حب، فالحب الذي نسمع به إنما هو في المسلسلات وغيرها، وكلها خيال، وأوهام، وإنما الناس يعيشون بأن يذكر بعضهم بعضاً.
يقول سيد قطب رحمه الله: وما أعظم قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرجل أراد أن يطلق زوجه؛ لأنه لا يحبها: ويحك! ألا تبنى البيوت إلا على الحب؟ فأين الرعاية؟ ثم قال: وما أتفه الكلام الرخيص الذي ينعق به المتحذلقون باسم الحب، وهم يعنون به نزوة العاطفة المتقلبة، ويبيحون باسمه انفصال الزوجين وتحطيم المؤسسة الزوجية بل خيانة الزوجة لزوجها؛ لأنها لا تحبه، وخيانة الزوج لزوجها لإنه لا يحبها، وما يهجس في هذه النفوس التافهة الصغيرة معنىً أكبر من نزوة العاطفة الصغيرة المتقلبة، ونزوة الميل الحيواني المسعور.
فهؤلاء بعيدون عن الله عز وجل يقول تعالى:((فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)).
وقال الإمام أبو بكر بن العربي الإشبيلي المالكي صاحب أحكام القرآن: كان الشيخ أبو محمد بن أبي زيد القيرواني من العلم والدين في المنزلة والمعرفة بمكان، يعني: كان رجلاً عالماً كبيراً، وكانت له زوجة سيئة العشرة، تقصر في حقوقه، وتؤذيه بلسانها، فيقال له في أمرها ويعذل بالصبر عليها، يعني كان يقال له: ألا تتخلص منها؟ ألا تأدبها؟ فكان يقول: أنا رجل قد أكمل الله علي النعمة في صحة بدني ومعرفتي وما ملكت يميني، فلعلها بعثها الله إلي عقوبة على ذنبي، فأخاف إن فارقتها أن تنزل بي عقوبة هي أشد منها، فانظروا كيف هذا التفسير! ويحكى أن امرأة جميلة ومليحة كان زوجها ذميماً، فنظرت في المرآة يوماً فقالت له: إني لأظن أني أنا وأنت من أهل الجنة إن شاء الله، قال لها: ولم؟ قالت له: لأنك رزقت بي فشكرت، وأنا ابتليت بك فصبرت!