وأما كون السبب خاصاً واللفظ عاماً فمثاله قول الله عز وجل:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ}[النساء:٥١ - ٥٢]، فهذه الآية سبب نزولها أن جماعة من المشركين جاءوا إلى اليهود، فبدأ اليهود يحرضونهم على حرب الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالوا لهم: يا معشر اليهود! أنتم أهل العلم بالكتاب الأول، نسألكم بالله: أديننا خير أم دين محمد؟ واليهود كانوا يعرفون أن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويسجدون لها ويطوفون حولها، فالمسألة لا تريد اجتهاداً، لكن اليهود على عادتهم في التحريف قالوا لهم: وما دينكم؟ فقالوا: نحن ننحر الكوماء، -والكوماء الناقة الكبيرة- في الشتاء، ونطعم الحاج، ونقري الضيف.
فقال لهم اليهود: لا والله، دينكم خير من دين محمد.
فهنا سبب خاص، ونزلت الآية عامة في الذين أوتوا نصيباً من الكتاب، وحكم الله عليهم باللعنة فقال:{أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا}[النساء:٥٢].
وقد رجح السبكي تقي الدين رحمه الله تعالى في جمع الجوامع أن هذه مرتبة متوسطة، فهي دون السبب وفوق التجرد.