الثاني: الدعاء أثناء الركوع، فرسول الله صلى الله عليه وسلم قسم الأذكار في أثناء الصلاة، ففي حال القيام القراءة، وفي حال الركوع ذكر معين، وهو تعظيم الرب جل جلاله، وفي أثناء السجود ذكر معين مع الإكثار من الدعاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)، فالإنسان حال ركوعه إما أن يقول: سبحان ربي العظيم، وإما أن يقول: سبحان ربي العظيم وبحمده، وإما أن يقول:(سبوح قدوس رب الملائكة والروح)، وهذا ثابت في صحيح مسلم، ولا يختص بقيام الليل، وإما أن يقول: اللهم لك ركعت وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وما استقلت به قدمي لله رب العالمين.
ويستثنى من الدعاء ذكر واحد ثبت من حديث أمنا عائشة رضي الله عنها:(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في آخر حياته من أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي)، قالت: كان يتأول القرآن؛ لأن الله تعالى قال له:{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}[النصر:٣]، وفي البخاري وغيره أن عبد الله بن عباس رضي الله عنه كان يدخله عمر في مجلسه وهو شاب، فكأن بعض الصحابة وجد في نفسه وقال: لم يدخل عمر هذا الفتى وعندنا أبناء مثله؟! فـ عمر رضي الله عنه كأنه علم بما قالوا فسألهم في مجلس من مجالسه: ما تقولون في قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}[النصر:١]؟ فقال بعضهم: أمرنا ربنا إذا نصرنا وفتح علينا أن نستغفره ونسبحه، وسكت آخرون فلم يقولوا شيئاً، فقال عمر: وأنت ما تقول يا ابن عباس؟ فقال رضي الله عنه: هذه السورة نعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه فقال الله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا}[النصر:١ - ٢]، وذلك علامة أجلك {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}[النصر:٣]، فقال له عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول.
إذاً: الركوع يشرع فيه تعظيم الرب، إما أن تقول: سبحان ربي العظيم، وإما أن تقول: سبحان ربي العظيم وبحمده، وإما أن تقول سبوح قدوس رب الملائكة والروح، وإما أن تقول: اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وما استقلت به قدمي لله رب العالمين، وإما أن تقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي، ولا تجعل الركوع محل الدعاء، وإنما محل الدعاء هو السجود.
وبهذه المناسبة أقول: الحنفية رحمهم الله يقولون ببطلان الصلاة بالدعاء بما يشبه كلام الناس كمن يقول: اللهم زوجني فلانة، والحنفية رحمهم الله ليس عندهم على هذا دليل، وهذا دعاء مشروع من حسنة الدنيا، فدعاء:{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً}[البقرة:٢٠١] فسرت الحسنة منه بالزوجة الصالحة، والإمام المجد بن تيمية رحمه الله ليس أبا العباس وإنما جده صاحب منتقى الأخبار ترجم باب من دعا بما ليس مشروعاً إذا كان جاهلاً، وأتى بقصة الأعرابي الذي بال في المسجد، ثم دعا فقال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فهذا الدعاء ليس بمشروع، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة؛ لأنه جاهل، فإذا كان هذا ما بطلت صلاته، فمن باب أولى من قال: اللهم زوجني فلانة.