قوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً)
النداء التاسع عشر في الآية التاسعة عشر من سورة النساء: قول ربنا تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}[النساء:١٩]، وهذه الآية المباركة هي النداء الأول بوصف الإيمان في سورة النساء، وقد جاءت لتعالج نوعاً من الظلم كانت المرأة تتعرض له في الجاهلية.
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:(كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها وإن شاءوا لم يزوجوها، فهم أحق بها من أهلها فأنزل الله هذه الآية) يعني: المرأة في الجاهلية كانت تورث عن الرجل كما يورث المتاع، والأرض، والمال، فإذا مات الرجل فأولياؤه أي: أبناؤه أحق بها إن شاء بعضهم تزوجها، فيمكن في عهدهم أن يتزوج الولد امرأة أبيه، وإن شاءوا زوجوها وأكلوا صداقها، وإن شاءوا حبسوها إلى أن تموت فيرثوها.
وكان من أشهر ما وقع من ذلك في الجاهلية أنه لما مات أمية بن عبد شمس وترك امرأته وكان له من تلك المرأة أولاد أربعة العاص وأبو العاص والعيص وأبو العيص، وكان له أولاد من امرأة أخرى منهم أبو عمرو بن أمية، فلما مات أمية بن عبد شمس تزوج أبو عمرو امرأة أبيه التي هي أم العاص وأبي العاص والعيص وأبي العيص، فولدت له مسافر، أنجب منها ولداً أسماه بهذا الإسم، وولد آخر اسمه أبو معيط، فكان مسافر وأبو معيط إخوة للعاص وأبي العاص والعيص وأبي العيص من أمهم، وفي الوقت نفسه هم أعمامه! انظروا إلى هذه اللخبطة والفوضى التي كان يعيش فيها أهل الجاهلية، فأنزل الله هذه الآية:((لا يَحِلُّ لَكُمْ)) أي لا يجوز، ويحرم عليكم ((أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا))، وقرأ حمزة والكسائي وخلف بضم الكاف:{كُرْهًا}[النساء:١٩]، فقوله:((لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا))، أو (كُرهاً) بمعنى الإجبار والمشقة، قال الله عز وجل:((لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا)) أي لا يجوز أن تجعلوا المرأة كالمتاع يتزوج الواحد منكم بالواحدة منهن من غير رضاها، أو يعضلها حتى تفدي نفسها.