للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم)]

النداء السابع في الآية الرابعة والخمسين بعد المائتين من سورة البقرة: يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:٢٥٤]، هذه الآية جاءت بعد الآية التي بين الله فيها أنه قد أرسل رسلاً، وأنه قد فضل بعضهم على بعض، فكأن الأمر بالإنفاق بعد ذكر الرسل ليبين ربنا جل جلاله أن هذه الشعيرة المباركة وهذه الخصلة الفاضلة هي مما جاءت به الرسل، وأمرت به الأمم، وقبل ذلك بآيات أمر الله عز وجل بالجهاد، فقال سبحانه: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:٢٤٤]، ثم بعدها أمر بالإنفاق فقال: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةًَ} [البقرة:٢٤٥]، يقول بعض أهل التفسير: النفقة ها هنا مقصود بها النفقة في الجهاد، كأنهم شبهوا هذه الآية على هذا النسق بقول الله عز وجل {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهَِ} [التوبة:٤١].

يقول الله عز وجل: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ)) النفقة: هي إخراج المال الطيب في الطاعات والمباحات، والإنسان إذا أخرج مالاً في الطاعة كالزكاة الواجبة، أو صدقة التطوع، أو تفطير الصائمين، أو في المباحات كنفقته على نفسه، في طعامه وشرابه ولباسه وأثاثه وسكنه، وكان هذا المال من حلال طيب، فهذه هي النفقة التي أمر الله عز وجل بها، وأخبر أنها متقبلة عنده.

يقول ابن عطية رحمه الله: ظاهر هذه الآية أنها تعم جميع وجوه البر: من سبيل خير، وصلة رحم.

يعني: سواء كانت هذه النفقة في سبيل من سبل الخير، أو في صلة رحم، فنحن مأمورون بها.