الفائدة الرابعة: معرفة اسم من نزلت فيه الآية، وقد قال ابن مسعود: والله الذي لا إله غيره ما أنزل الله في القرآن سورة إلا وأنا أعلم أين نزلت، وأنا أعلم فيمن نزلت.
فسبب النزول يعيننا على معرفة أن هذه الآية نزلت في فلان، فمثلاً: مروان بن الحكم بن أبي العاص كان يقول: إن قوله تعالى: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}[الأحقاف:١٧] نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر، فقالت السيدة عائشة رضي الله عنها: والله ما نزلت في عبد الرحمن، ولو شئت أن أسميه لسميته.
فالسيدة عائشة تريد أن تستر اسم الرجل الذي نزلت فيه؛ لأنه أسلم وصار من الطيبين، لكن في الوقت نفسه تنفي عن أخيها عبد الرحمن أن تكون هذه الآية قد نزلت فيه.
كذلك قول الله عز وجل:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة:٢٠٧].
فقوله:((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ)) أي: يبيع نفسه، ((ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ)) هذه الآية نزلت في سيدنا صهيب بن سنان الرومي، (وذلك أن صهيباً أراد أن يهاجر لكن الكفار منعوه، وقد أقاموا عليه حراساً، فتصنع رضي الله عنه أنه مصاب بمرض، وبدأ يستأذن أن يمشي إلى الخلاء، فمشى إلى الخلاء ثم رجع وبعد قليل استأذن ليذهب إلى الخلاء وهم يراقبونه، فمشي إلى الخلاء ثم رجع، ثم استأذن أن يمشي إلى الخلاء فقال الكفار بعضهم لبعض: قد شغله الله ببطنه فدعوه، لا يستطيع الهرب؛ لأنه مريض، فمشى هذه المرة وما رجع، فما انتبهوا له إلا بعد مسافة، فأدركوه رضي الله عنه وهو في طريقه إلى المدينة فلحقوه، فالتفت إليهم وقال: تعلمون -معشر قريش- أني أرماكم - يعني أنا أحسنكم رماية - والله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم في كنانتي، ولو شئتم دللتكم على مالي فأخذتموه -أول الأمر رهبهم ثم رغبهم- قالوا: دلنا، قال لهم: هو في مكان كذا تحت أسكفة الباب، يعني: تحت عتبة الباب، قالوا له: الآن لا حاجة لنا فيك، فرجعوا وحفروا وأخذوا المال، وهو رضي الله عنه فر بجلده، فلما وصل إلى المدينة استقبله الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى) هذه صفقة رابحة، وهو لم يكن قد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة:٢٠٧].
فهذه الآية نزلت في صهيب بن سنان رضي الله عنه.
كذلك قول الله عز وجل:{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ}[الأحزاب:٣٧] نزلت في زيد بن حارثة لما تزوج زينب بنت جحش رضي الله عنهما، وكان يريد أن يطلقها، وهي بنت عمة الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن أمها أميمة بنت عبد المطلب، وكان زيد يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول:(يا رسول الله! إني أريد طلاقهاً ائذن لي، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول له: هل رابك منها شيء فكان يقول: لا، لكنها تؤذيني بلسانها؟ فكان صلى الله عليه وسلم يقول له: أمسك عليك زوجك واتق الله) يعني: دع زوجتك معك واتق الله.