[سبب نزول قوله تعالى:(أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم)]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أسباب نزول الآية (٤٤) قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ}[البقرة:٤٤]] هذه الآية خوطب بها بنو إسرائيل، فكان الواحد منهم يكون له صاحب من الأنصار، يقول له: يا فلان! الزم هذا الرجل فإنه رسول الله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في يهود أهل المدينة.
كان الرجل منهم يقول لصهره ولذوي قرابته ولمن بينه وبينهم رضاع من المسلمين: اثبت على الدين الذي أنت عليه، وما يأمرك به هذا الرجل فإن أمره حق، وكانوا يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه].
العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، فهذه الآية نزلت في بني إسرائيل ولكننا نحن أيضاً مخاطبون بها، ولذلك قال الحكيم: يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى كي ما يصح به وأنت سقيم ابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فيدور في النار كما يدور الحمار في الرحى، وتندلق أقتابه -أي: أمعاؤه- فيجتمع عليه أهل النار، فيقولون: يا فلان! أما كنت تأمرنا وتنهانا -أنت كنت تخطب الجمعة، وتعمل لنا دروساً، وكنت تمر بنا ونحن نشرب الخمر، أو نلعب الميسر، أو نفحش فكنت تأمرنا وتنهانا- فيقول: نعم.
كنت آمركم ولا أفعل، وأنهاكم وأفعل)، كان يمر بهم وهم يشربون الخمر، فيقول لهم: الخمر حرام، اتقوا الله! وهو داخل البيت عنده قارورة، يأمر الناس بالبر وينسى نفسه، نعوذ بالله من تلك الحال.
وما زال شيوخنا يذكرون لنا قصة الرجل الذي خطب يوم الجمعة وأمر الناس بالصدقة، وأتاهم بالآيات والنصوص والأشعار حتى أبكاهم، وبعد الصلاة انتظر في المسجد يسلم على الناس، فلما رجع إلى البيت، وجد ولده قد أخرج القمح والسكر والبلح والبصل وبدأ يوزع، والمساكين قد اجتمعوا عليه، فقال له: يا أحمق ماذا تصنع؟ قال له: أنا سمعت منك وبدأت أطبق، قال له: يا مسكين! نحن نتكلم وهم يعملون.
قال سيد قطب رحمه الله في الظلال: وهذه آفة رجال الدين، حين يصبح الدين حرفة وصناعة لا عقيدة تتفاعل معها القلوب، يقول: يكفي رجال دين، رجال المال، ورجال الأعمال، ورجال السياسة، فهناك طبقةٌ اسمها رجال دين، وهؤلاء الذين زوروا الدين على امتداد الزمن.