النوع الثالث من الأخطاء: أخطاؤهم في السترة، وأول خطأ: ترك كثير من الناس اتخاذ السترة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا تصلي إلا إلى سترة، ولا تدع أحداً يمر بين يديك، فإن أبى قاتله فإن معه قرينا)، وفي حديث أنس: لقد رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري، -والسواري: جمع سارية، وهي: العمود، وكانت أعمدة مسجد الرسول الله صلى الله عليه وسلم من جذوع النخل- حتى يخرج النبي عليه الصلاة والسلام.
فإذا أراد الإنسان أن يصلي منفرداً، أو يصلي بالناس إماماً، فلا بد أن يصلي إلى سترة.
ومعنى الصلاة إلى سترة: أن يصلي إلى حائط أو جدار، أو يصلي إلى عمود، أو أن يضع أمامه شيئاً طويلاً بحيث يكون قريباً منه، وبينه وبين موضع السجود، فإذا جاء أحد يمر بينه وبين سترته فلا يدعه، فإن أبى فليقاتله، فإن معه القرين أي: الشيطان الذي يخرب على الإنسان صلاته، وقد كان هذا دأبه عليه الصلاة والسلام فما كان يخل أبداً باتخاذ السترة، حتى في بعض غزواته صلى الله عليه وسلم، فقد كان يغرز الحربة أو العنزة في الأرض ويجعلها له سترة، وفي بعض الغزوات إذا لم يجد شيئاً يتخذه ستره، قال لفرسه:(لا تبرح يرحمك الله حتى نصرخ) ودف فرسه عليه الصلاة والسلام ووقف يصلي، يقول الصحابة: فما حرك ذيلاً ولا عدواً، حتى انتهى الرسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته.
ولما جاءت شويهة تريد أن تمر بين يدي رسول الله وبين سترته، تقدم عليه الصلاة والسلام حتى مرت من ورائه، وكذلك لما جاءت الجارية لتمر بين يديه صلى الله عليه وسلم منعها.
فاتخاذ السترة من آكد السنن، بل قال بعض العلماء بأنه واجب؛ لأن الرسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لا تصلي إلا إلى سترة) وداوم عليها الرسول عليه الصلاة والسلام، وداوم عليها أصحابه من بعده كذلك، كما يقول أنس: كانوا يبتدرون السوري، أي: أن كل واحد منهم يتخذ عموداً يصلي إليه.
وإذا لم تكف الناس أعمدة المسجد، فليجعلوا بعضهم لبعضٍ سترة، فقد كان عبد الله بن عمر إذا لم يجد سارية يقول لـ نافع: أعطني ظهرك، أي: اقعد لتكون سترة أصلي إليها.