للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثناء الله على الشاكرين]

أثنى ربنا جل جلاله على من اتصف بهذه الصفة الطيبة، فقال في وصف نبي الله نوح: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء:٣]، وقال في وصف إبراهيم: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ} [النحل:١٢٠ - ١٢١]، ونبي الله موسى عليه السلام روي أنه قال: (يا رب كيف أشكرك؟ قال الله عز وجل: يا موسى اذكرني فإن ذكرتني شكرتني، وإن نسيتني كفرتني)، فالذي يذكر الله عز وجل هو الشاكر، الذي يستحق الثناء، وقد سمى الله عز وجل نفسه الشكور، ففي الحديث يقول سبحانه: (إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري! وأرزق ويشكر سواي! خيري إلى العباد نازل، وشرهم إلي صاعد!)، هذا هو حال أكثر الناس مع الله عز وجل إلا أنبياء الله ورسله، صلوات الله وسلامه عليهم وهم سادة الشاكرين فقد كانوا بعكس ذلك، انظروا في حال نبي الله سليمان سخر الله له الجن والإنس والطير، لما أتي بعرش بلقيس قبل أن يرتد إليه طرفه قال: {هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ -أي لنفع نفسه- وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل:٤٠]، ودعا الله عز وجل فقال: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل:١٩]، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم سيد الشاكرين، فقد قام من الليل حتى تفطرت قدماه، وقالت له عائشة: (يا رسول الله! لم تصنع ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: يا عائشة! أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً؟).

(وعرض عليه ربه أن يحول له بطحاء مكة ذهباً، فقال: لا يا رب، بل أجوع يوماً فأصبر، وأشبع يوماً فأشكر) يعني: الله عز وجل هو الذي خلق، وهو الذي رزق، وهو الذي هدى، وهو الذي علم، {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:٧٨]، ومع ذلك لا يريد منا سوى كلمة: الحمد لله، فلو أن إنساناً طعم طعاماً فقال: (الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر)، (وإن الله تعالى ليرضى من العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها) فالله عز وجل لا يريد منا سوى هذه الكلمة، الحمد لله، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أصابته نعمة قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإذا أصابه بلاء قال: الحمد لله على كل حال).

{وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:١٧٢] أي: إن كنتم يا أيها المؤمنون معترفين بأن الله عز وجل هو صاحب النعم، وهو الذي رزقكم هذه الطيبات التي تأكلونها فواجب عليكم أن تشكروه.