يقول سيد قطب رحمه الله: يحذر الله الذين آمنوا أن يطيعوا الذين كفروا، فطاعة الذين كفروا عاقبتها الخسارة المؤكدة وليس فيها ربح ولا منفعة، فبها الانقلاب على الأعقاب إلى الكفر، فالمؤمن إما أن يمضي في طريقه يجاهد الكفر والكفار ويكافح الباطل والمبطلين، وإما أن يرتد على عقبيه -والعياذ بالله- كافراً، ومحال أن يقف سلبياً بين بين، محافظاً على موقفه ومحتفظاً بدينه، فإنه قد يخيل إليه هذا، فيخيل إليه في أعقاب الهزيمة، وتحت وطأة الجرح والقرح أنه يستطيع أن ينسحب من المعركة مع الأقوياء الغالبين وأن يسالمهم ويطيعهم وهو مع ذلك محتفظ بدينه وعقيدته وإيمانه وكيانه، وهذا وهم كبير.
فالذي لا يتحرك إلى الأمام في هذا المجال لا بد أن يرتد إلى الوراء، والذي لا يكافح الشر والباطل والضلال والطغيان والذي لا تعصمه عقيدته ولا يعصمه إيمانه من طاعة الكافرين والاستماع إليهم والثقة بهم؛ يتنازل في الحقيقة عن عقيدته وإيمانه منذ اللحظة الأولى، فليست العبرة بهزيمة في معركة، فالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم أحد هزموا بنص القرآن الكريم، فالله عز وجل بين بأنهم نصروا أولاً ثم انكسروا في الأخير، لكن هل شك رسول الله صلى الله عليه وسلم لحظة؟ لا، والله! فهو صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ودمه ينزف:(اصطفوا لأثني على ربي)، وأثنى على ربه جل جلاله بكلمات وكأنه المنتصر عليه الصلاة والسلام، وهو في حقيقة الأمر منتصر؛ لأن المبدأ والعقيدة ما تغيرت ولا تزلزلت، والأنبياء هكذا سنتهم يدال عليهم مرة ويدالون مرة، وهذه سنة الله عز وجل كما قال جل في علاه:{وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}[آل عمران:١٤٠].