الفائدة السادسة: تثبيت الوحي، وتيسير الحفظ والفهم، وتأكيد الحكم في ذهن من يسمع الآية.
مثال ذلك: قصة الإفك، هذه القصة نزلت فيها عشر آيات، منها: قول الله عز وجل: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ}[النور:١٢].
فلو عرفت سبب نزول هذه الآية لن تنسى هذه الآية أبداً، إن سبب نزولها: أن أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه دخل على زوجته أم أيوب والناس يتناقلون الكلام في المدينة كما قال الله عز وجل: ((إِذْ تَلَقَّوْنَهُ)) مع أنه في العادة أن الإنسان يتلقى الكلام بالأذن, ولكن من سرعة النقل قال الله عز وجل:{إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ}[النور:١٥] أي: أ، الرجل لا يسمع بأذنيه وإنما بلسانه فيروج لذلك، لكن أكثر الصحابة لم تكن هذه صفتهم، فـ أبو أيوب دخل على زوجته وقال لها بمنتهى الصراحة والوضوح: يا أم أيوب! أسمعت ما يقول الناس في شأن عائشة وصفوان؟ قالت: نعم، هو والله الكذب، فقال لها رضي الله عنه: أكنت فاعلته يا أم أيوب قالت: لا والله معاذ الله، قال لها: فـ عائشة خير منك وصفوان خير مني.
إذاً ينبغي للمؤمن أن يحسن الظن بأخيه، ومن حسن ظن المؤمن أن يعتقد أن أخاه خير منه.
مثال آخر: قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}[الحجرات:٢] هذه الآية سبب نزولها: (ما كان من بعض الأعراب الذين جاءوا في وقت القيلولة والراحة، وقالوا: يا محمد! أخرج إلينا فإن مدحنا زين وذمنا شين -يعني: أخرج علينا بسرعة وإلا سنقول فيك شعراً-؛ فأنزل الله عز وجل هذه الآية يؤنب فيها هؤلاء الذين لم يتأدبوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما نزلت هذه الآية جلس أحد الصحابة وهو ثابت بن قيس بن شماس في بيته يبكي، فعلم به الرسول صلى الله عليه وسلم فجاءه وقال له: مالك؟ فقال ثابت: يا رسول الله! أنا رجل جهوري الصوت، وكنت أرفع صوتي عليك، وأخشى أن يكون قد حبط عملي، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: بل تعيش حميداً، وتقتل شهيداً، وتدخل الجنة إن شاء الله) فالإنسان إذا عرف سبب نزل هذه الآية لا ينساها أبداً؛ لأنه فهم معناها تماماًَ؛ ولذلك فإن معرفة سبب النزول يربط الأسباب بالمسببات، والأحداث بالأشخاص، والمبنى بالمعنى، والأزمنة بالأمثلة، وكل هذا يدعو إلى تقرر الأشياء وتأكيدها في الذهن.