كان صلى الله عليه وسلم أكمل الناس إيماناً وأكثرهم بذلاً، وكان أطولهم يداً، وقد ورث منه هذه الصفة الصحابة الكرام، وخاصة أهل البيت عليهم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقد خرج الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر رضوان الله عليهم في سفر فذهبت رواحلهم -يعني: كأنهم ناموا في مكان، ففقدوا ما كانوا يركبون عليه، وعليها الطعام والشراب- فجاعوا وعطشوا وتعبوا، فأووا إلى خيمة امرأة عجوز، قالوا لها: هل من شيء نشربه؟ وما كان عندها إلا شاةً صغيرة، فقالت: خذوا تلك الشاة واحلبوها واخلطوا اللبن بالماء واشربوا، فشربوا، حتى رووا، ثمَّ قالوا لها: هل من طعام؟ فنظرت المرأة وقالت: ليقم أحدكم إلى هذه الشاة فيذبحها -وما عندها غيرها-، فقام أحدهم فذبحها وكشطها -أي: سلخها-، فصنعت لهم طعاماً فأكلوا وشبعوا، ثم قالوا لها: جزاك الله خيراً، نحن نفر من قريش فإذا أتيت إلى المدينة أصبت منا خيراً وذهبوا، فجاء زوجها وسألها: أين الشاة؟ قالت: قدم نفر من قريش فكان من خبرهم كذا وكذا فذبحتها لهم، وهم نفر من قريش، فقال: فعل الله بك وفعل بك، دعا عليها وسبها، ثم أصابتهم فاقة؛ فتركوا مكانهم وجاءوا إلى المدينة، وزوجها ينقل الحطب، وبينما هي تمشي يوماً والحسن رضي الله عنه جالس أمام بابه عرفها وهي له منكرة، فقال لها: يا أمة الله! أما تذكرينني؟ أنا الذي مررت بك في يوم كذا، وفعلت بنا كذا وكذا، قالت: أنت هو بأبي وأمي! قال: إي والله، قال لها: اصبري! فأرسل غلامه فابتاع ألف شاة من غنم الصدقة وأعطاها إياها ومعها ألف دينار، ثم بعث بها إلى الحسين قال لها: كم أعطاك أخي؟ قالت له: ألف دينار وألف شاة، فأعطاها ألف دينار وألف شاة، ثم جاءت إلى عبد الله بن جعفر، فقال لها: كم أعطاك أخواي؟ قالت: كل منهما أعطاني ألف شاة وألف دينار، فأعطاها ألفي شاة وألفي دينار! وقال لها: والله لو بدأت بي لأتعبتهما.
فرجعت هذه المرأة بأربعة آلاف شاة، وأربعة آلاف دينار، قال تعالى:{وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[سبأ:٣٩].