[أمر الله لنبيه بدوام عبادته]
ختم ربنا جل جلاله هذه السورة بأمرين مثلما ختم سورة الضحى، قال الله عز وجل: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:٩ - ١١]، وهنا أيضاً قال الله عز وجل: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:٧ - ٨].
وقد نبه أهل العلم إلى أن بعض المبتدعة قرأ هذه الآية: فإذا فرغت فانصب.
وقال: نصب إماماً، وهم الرافضة ويقصدون بذلك علياً، قال بعض أهل التفسير: ويمكن للناصبي المبتدع في الجهة المقابلة أن يقرأها: فإذا فرغت فانصَب.
من النصب وهو كراهية آل البيت، ودين الله لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: (فإذا فرغت) من الفرائض (فانصب) في قيام الليل.
والنصب هو: التعب.
وقال الكلبي: فإذا فرغت من جهاد عدوك فاستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات.
وقال قتادة رحمه الله: فإذا فرغت من أمر الخلق فاجتهد في عبادة الحق.
وقال آخرون: فإذا فرغت من أمور نفسك فتفرغ لعبادة ربك، وانصب في عبادة ربك.
والمعنى: أن الله عز وجل يريد لنبيه صلى الله عليه وسلم ولكل مؤمن أن ينتقل من عبادة إلى عبادة، ومن طاعة إلى طاعة، ولنتأمل شهر الصيام، فإذا أفل نجمه دخلت أشهر الحج، فإذا انتهى الحج دخل شهر الله المحرم، وأحب الصيام إلى الله بعد رمضان صيام شهر الله المحرم، وهكذا المسلم ليله ونهاره في كل وقت من أوقات العمر يتقلب من عبادة إلى عبادة، ومن طاعة إلى طاعة، وليس هناك سن للتقاعد في عبادة الله عز وجل، بل كما قال الله: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:٩٩].
وقوله تعالى: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:٨].
أي: لتكن رغبتك وحاجتك إلى ربك.
وبعض أهل التفسير فسر هذه الآية بقوله: فإذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء، وهذا المعنى صحيح، ويشهد له قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ معاذ بن جبل: (يا معاذ! والله إني لأحبك، فلا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).
نسأل الله عز وجل أن يوفقنا لما يحب ويرضى.