[بيان مفهوم السائل وأحكامه]
قال الله تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى:١٠] السائل فيها تفسيران: التفسير الأول: السائل عن أحكام الدين، فمن جاء يسأل عن الحلال والحرام فإنه لا ينهر، اللهم إلا إذا كان سؤاله يقتضي نهراً، كما نهر النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة لما قالت: وهل تحتلم المرأة؟ ونهر صلى الله عليه وسلم الرجل الذي سأل عن ضالة الإبل؟ ونهر صلى الله عليه وسلم من قال: يا رسول الله! من أبي؟ ونحو ذلك، وهذا معروف عند أهل العلم.
التفسير الثاني: السائل هو: الذي يطلب نولاً من مال أو طعام، فهذا السائل يجيبه ببذل يسير أو رد جميل.
تنبيهان: التنبيه الأول: شاع عند الناس حديث: (لا ترد السائل ولو جاء على فرس)، وبعضهم يقول: للسائل حق وإن جاء على فرس.
قال الإمام أحمد: لا أصل له وهو حديث مخترع.
وقد يكون السائلون هم الذين اخترعوه كما اخترع غيرهم أحاديث، فالسائل إذا كان محتاجاً يعطى، وإذا كان غير محتاج فلا يعطى، والرسول صلى الله عليه وسلم نفسه لما جاءه رجلان يطلبان الصدقة، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله جزأها ثمانية أجزاء؛ فإن كنتم من أهلها أعطيتكم وإلا فلا).
وأخبر صلى الله عليه وسلم (أن من سأل وله ما يكفيه جاءت مسألته يوم القيامة خموشاً في وجهه، حتى يلقى أحدهم ربه وليس في وجهه مزعة لحم).
ولو أننا أعطينا من اعتاد التسول لكان هذا من التعاون على الإثم والعدوان، إذ قد تجد الشاب فارع الجسم، قوي العضلات، حاضر القوة، ثم بعد ذلك تعرف من حاله أنه قد احترف السؤال، ولو أنك أعطيته تكون متعاوناً معه على الإثم والعدوان، وكأنك تقول له: أرق ماء وجهك وابذل حياءك في مقابل دريهمات ترمى لك، فتكون قد تعاونت معه على الإثم والعدوان.
التنبيه الثاني: قال الإمام الألوسي رحمه الله: إذا كان السائل لا يندفع إلا بالزجر فإنه يزجر.
أي: إذا كان إنسان يسأل وأنت تعرف أنه لا يستحق فرددته ثم عاد فإنه يزجر، وقد فعل ذلك عمر، عندما قام واحد يسأل في المسجد، فـ عمر رضي الله عنه قال لأحد الصحابة: خذ الرجل هذا وأطعمه، فجاء في صلاة العشاء فوجد الرجل يسأل، فقال للصحابي: ألم أقل لك أطعمه.
قال له: أطعمته.
فـ عمر رضي الله عنه أمسك بالشيء الذي يحمله الرجل ونظر فيه فوجد فيه خبزاً وكذا وكذا، فذهب فنثره في إبل الصدقة ثم ضرب بها وجهه وقال له: الآن سلمنا، فهذا زجر من عمر رضي الله عنه؛ لأنه وجد الرجل قد احترف الأمر.