الأمر الثالث: العقيدة هي التي يسميها العلماء بالفقه الأكبر، وكما قال الإمام الغزالي رحمة الله عليه: إن كلمة الفقه من الألفاظ التي طرأ عليها التخصيص بغير مخصص، فصارت في اصطلاح المتأخرين تطلق على الإحاطة بجملة من الأحكام الشرعية العملية المستفادة من أدلتها التفصيلية، فصار الفقه قاصراً مفهومه على العبادات والمعاملات، والأنكحة، أو ما يسمى بالأحوال الشخصية والجنايات، وما أشبه ذلك، ولكن حقيقة الفقه هو: العلم بالطريق الموصل إلى الله.
أو كما قال بعضهم: الفقه هو: معرفة أحكام الله عقائد وعمليات.
فالعقيدة بفروعها كافة والحديث عن الله عز وجل وأسمائه وصفاته، وأفعاله جل جلاله، والحديث عن أركان الإيمان، والحديث عن الجنة والنار، وعذاب القبر ونعيمه، هذا كله فقه، لكنه فقه القلوب؛ لأنه يتعلق بالعقائد التي تنعقد عليها القلوب.
ومطلوب منا معرفة هذين النوعين من الفقه: معرفة العقائد، ومعرفة العمليات، وهذا الذي عناه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال:(إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قيل: وما رياض الجنة يا رسول الله! قال: مجالس الذكر).
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: هي المجالس التي يتعلم فيها الحلال والحرام، أي: أن يتعلم المرء كيف ينكح كيف يطلق كيف يبيع كيف يشتري، هذه هي مجالس الذكر، وليست مجالس الذكر هي التي يردد فيها الناس لفظ الجلالة مفرداً، أو يرددون فيها يا لطيف! يا لطيف! أو يستعملون بعض الآلات وما أشبه ذلك.
ومجالس الذكر هي أن يغدو الإنسان إلى بيت من بيوت الله فيتعلم آية أو آيتين أو ثلاثاً، أن يجتمع مع إخوانه يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، ويتذاكرون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته المطهرة، هذه هي مجالس الذكر.