[أسباب خروج البغاة على عثمان رضي الله عنه وبيان بطلانها]
وهذه من الأسباب التي خرج بها أولئك البغاة على عثمان لما أرادوا قتله، وقالوا أيضاً: لأنه لم يشهد بدراً، وفر يوم أحد، وحرق المصاحف، وضرب عماراً حتى فتق أمعاءه، ونفى أبا ذر إلى الربذة، ورد الحكم بن أبي العاص إلى المدينة بعدما نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقف في المنبر حيث وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان منبره صلى الله عليه وسلم ثلاث درجات فجاء أبو بكر فنزل درجة، وجاء عمر فنزل درجة، وقالوا: أما عثمان فوقف حيث وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أتم الصلاة في منى وقد قصرها صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، وقالوا أيضاً: إن عثمان حمى الحمى وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
ولو تأملنا هذه التهم لوجدناها تهماً زائفة باطلة، فأما أنه لم يشهد بدراً فلأن رقية رضي الله عنها كانت مريضة وقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبقى معها لكي يمرضها، وفرض له صلى الله عليه وسلم سهم رجل شهد بدراً.
وأما أنه فر يوم أحد فما فر وحده وإنما فر كثيرون وقد غفر الله له، قال الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ}[آل عمران:١٥٥]، وأما أنه لم يشهد بيعة الرضوان فالرسول صلى الله عليه وسلم بعثه إلى أهل مكة ليفاوضهم، وسبب بيعة الرضوان أصلاً: إشاعة مقتل عثمان، فبايع الصحابة من أجل ذلك، وضرب الرسول صلى الله عليه وسلم بإحدى يديه على الأخرى وقال: اللهم هذه عن عثمان.
وأما قولهم: إنه ضرب عماراً ونفى أبا ذر فهذا كله كذب، ولو ضرب عماراً حتى فتق أمعاءه لما عاش، ومعروف أن عماراً رضي الله عنه لم يقتل إلا يوم صفين.
فالشاهد: أن الصحابة صلوا خلف عثمان أربعاً، ولو كانت باطلة لما صلوا، فمن صلى في السفر أربعاً فصلاته صحيحة، لكنه ترك الأفضل؛ لأن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم لم يتم في السفر.