من حكمة مشروعية صلاة الخوف بيان أهمية الصلاة وعظيم منزلتها في الإسلام، فلو تأملتم في أركان الإسلام الخمسة تجدون أن الأركان الأربعة تسقط أحياناً، فشهادة التوحيد تسقط عن الأخرس، والصيام يسقط عن الشيخ الكبير والمرأة العجوز والمريض المزمن، والزكاة تسقط عن الفقير، والحج يسقط عن الفقير، أما الصلاة فلا تسقط عن الشيخ الكبير، ولا عن المرأة العجوز، ولا عن الفقير، ولا عن الأخرس، ولا عن الأعمى، ولا عن الأعرج، ولا عن المريض حتى لو كان في مرض الموت فيجب أن يصلي، فإن عمر بن الخطاب لما طُعن ترك الصلاة لأنه تكلم وقال: طعنني الكلب، فالصلاة بطلت، فأخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فأتم بالناس الصلاة، ثم حمل عمر إلى بيته وهو مغشي عليه رضي الله عنه، فلما أفاق قالوا: الصلاة الصلاة يا أمير المؤمنين، قال: أما إنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، وصلى وهو على حاله عليه من الله الرضوان.
أيضاً من الحكم: بيان أهمية صلاة الجماعة، حيث لم يتركها النبي صلى الله عليه وسلم في الحرب فكيف في السلم؟! ومن الحكم: بيان يسر الإسلام وسماحته، وأن الله رفع الحرج عن هذه الأمة، فعندما تتأمل في هذه الصلاة تدرك أن هذا الدين من عند الله، وعندما تتأمل في إباحة الكذب في حال الحرب تدرك أن هذا الدين من عند الله، ما يمكن لبشر أن يجلس ويشرع قوانين لحال الحرب والسلم والأمن والخوف والتشريعات في العبادات، وفي المعاملات، والجنايات، والأسرة، والميراث، والزواج، والطلاق، والعدة، وغير ذلك، وهذا كله في كتاب واحد فيه آيات معدودة، ليس كتاباً فيه مائة ألف آية أو خمسون ألف آية، فالقرآن ستة آلاف آية وزيادة، فهذا القرآن من عند الله وأحكامه لا تتناقض {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا}[النساء:٨٢].
ومن الحكم: بيان كمال هذه الشريعة حيث شرعت لكل حالة ما يناسبها.
ومن الحكم أيضاً: تعظيم شأن الجهاد في الإسلام، وذلك للاستعداد له حيث إننا فوتنا كثيراً من شروط الصلاة وأركانها من أجل الجهاد، فهل يصح في الصلاة أن تستدبر القبلة؟ لا يصح، لكن في الجهاد يصح ذلك إذا اشتد الخوف.
وهل يصح في الصلاة أن الإمام يقوم للركعة الثانية، ويصلي المأموم الركعة الثانية بسرعة ويسلم ويترك الإمام قائماً؟ لا يصح، لكن في وقت الحرب كثير من أحكام الصلاة فوِّتت من أجل الجهاد.