[الرجوع إلى الكتاب والسنة والاسترشاد بمذاهب الأئمة]
الأمر الثاني أيها الفضلاء! ورد سؤال في نهاية المحاضرة الماضية عن الرجوع إلى الكتاب والسنة مباشرة، وأحسب أن الجواب عليه لم يك كافياً، وأريد أن أقول في تكملة
الجواب
إن الأئمة الكبار قديماً وحديثاً اقتدوا بمن تلقوا عنهم، فإذا قويت ملكة الواحد منهم، ورسخ في العلم قدمه؛ صار له منهج أو صارت له أقوال، لكن لم يبدأ أحد من هؤلاء الأئمة بالإفتاء قبل أن يحفظ القرآن، وقبل أن يعرف السنة، وقبل أن يدرس اللغة العربية، فيقول: أنا آخذ مباشرة من القرآن والسنة! حتى العلماء الكبار المعاصرون في زماننا هذا عندهم مذاهب، فمثلاً الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه حنبلي، والشيخ محمد صالح العثيمين رحمه الله حنبلي، ولا يعني ذلك أنهما لا يخالفان مذهب الإمام أحمد في قليل أو كثير، لكن بعدما رسخت أقدامهم في العلم، وقويت شوكتهم، واشتدت ملكتهم صاروا ينظرون في المذاهب الأخرى، ولربما يختار أحدهم لنفسه قولاً.
وقل مثل ذلك في المتقدمين، فمثلاً الإمام أبو عبد الله بن القيم أو الإمام أبو العباس بن تيمية رحمة الله على الجميع، هؤلاء جميعاً كانت لهم مذاهب.
والآن من يقولون: نرجع إلى الكتاب والسنة حقيقة الأمر أنهم مقلدون، ولكنهم يقلدون بعض المعاصرين، فمثلاً الآن تجد بعض الإخوة يقول: أنا ليس لي مذهب، وإنما آخذ من الكتاب والسنة مباشرة، لكنه في غالب الأمر يرجع إلى أقوال الشيخ ناصر الدين الألباني رحمة الله عليه، أو يرجع إلى ترجيحاته، فهو مقلد شاء أم أبى، لكن الفرق بينه وبين غيره، أن غيره قلد أحد الأئمة الأربعة أبا حنيفة ومالكاً والشافعي وأحمد، وهو قلد معاصراً من المعاصرين، فالمفروض أن يعرف كل امرئ منا قدره، وألا يعدو هذا القدر، ورحم الله امرأً عرف قدر نفسه، فنقلد أولئك الأئمة لأنهم أتقى وأورع، وأعلم وأفضل، وأقرب عهداً بالنبوة، ثم بعد ذلك إن بان لنا الحق في خلاف قول الإمام الذي نقلده نأخذ بالحق اتباعاً للإمام؛ لأن الإمام نفسه سواء كان أبا حنيفة أو مالكاً أو الشافعي أو أحمد أمرنا بأن نتبع الدليل.
فمثلاً إمامنا مالك رحمه الله في صيام ست من شوال قال: أكرهه ولم أر أحداً من أهل العلم يفعله، وأكره أن يلحقه أهل الجفاء برمضان.
فهذا القول من مالك رحمه الله لا يعمل به حتى المالكية أنفسهم؛ لأن الحديث ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر).