معنا في هذا الدرس تفسير سورة العلق، وهذه السورة المباركة هي إحدى ست سور في القرآن افتتحت بالأمر، فقال سبحانه هنا:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}[العلق:١]، ثم القواقل الخمس: الكافرون، والإخلاص، والفلق، والناس، والجن، هذه السور الست افتتحت بالأمر الموجه لرسول صلى الله عليه وسلم.
وسورة العلق مكية بإجماع المفسرين، وقد اشتملت على تسع عشرة آية، واثنتين وتسعين كلمة، في مائتين وثمانين حرفاً، من وفقه الله لقراءتها فله من الحسنات ثمانمائة وألفا حسنة، والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم.
هذه السورة عند جمهور أهل العلم هي أول ما نزل من القرآن، أي: الآيات الخمس الأولى منها هي أول ما نزل من القرآن، ويدل على ذلك حديث أمنا عائشة رضي الله عنها في الصحيحين قالت:(أول ما بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي أنه كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح).
قال أهل الحديث: واستمر ذلك لمدة ستة أشهر، وهذا تأويل قوله صلى الله عليه وسلم:(الرؤيا الصادقة جزء من ست وأربعين جزءاً من النبوة)؛ لأن النبوة استمرت ثلاثاً وعشرين سنة، فالرؤيا الصادقة كانت ستة أشهر، يعني: جزءاً من ست وأربعين جزءاً، فأول ما بدأ به صلى الله عليه وسلم من الوحي أنه كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتعبد ويتحنث فيه الليالي ذوات العدد، ثم يرجع لـ خديجة فيتزود لمثلها حتى فجعه الوحي وهو في الغار، فقال:(اقرأ، فقال صلى الله عليه وسلم: ما أنا بقارئ، فأخذه فغطه حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله، فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، فأخذه فغطه حتى بلغ منه الجهد، ثم قال: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، ثم قرأ عليه الخمس الآيات الأول من سورة العلق، فرجع صلى الله عليه وسلم إلى خديجة يرجف فؤاده، وقال: لقد خشيت على نفسي، فطمأنته رضي الله عنها وجزاها الله عن نبي الإسلام خيراً، قالت: كلا والله يا ابن عم ما يخزيك الله أبداً، إنك لتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق، ثم صحبته إلى ابن عمها ورقة) إلى آخر القصة المعروفة.
فالله عز وجل نبأ محمداً صلى الله عليه وسلم بهذه الآيات، وأرسله بـ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ}[المدثر:١ - ٢].