قوله تعالى:{وَتَكُونُ الْجِبَالُ}[القارعة:٥]، هذه الجبال آية عظيمة من آيات الله، جعلها الله للأرض أوتاداً، وجعل خلقها عظيماً كما مر معنا في قوله تعالى:{وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ}[الغاشية:١٩]، فإذا بها تصير كما قال الله:((كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ)) والعهن كما قال بعض أهل التفسير: هو الصوف مطلقاً، وقال بعضهم: هو الصوف الأحمر، وقال بعضهم: هو الصوف المصبوغ، وفي آية أخرى قال الله عز وجل:{يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ}[المعارج:٨ - ٩]، وفي آية ثالثة قال الله عز وجل:{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً) [الكهف:٤٧]، وقال في أخرى: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا}[النبأ:٢٠]، وقال أيضاً {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا}[الطور:٩ - ١٠]، وفي آية أخرى يقول تعالى:{يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا}[المزمل:١٤]، الكثيب: مجتمع الرمل، والمهيل: هو الذي إذا أخذت بعضه سقط كله، ولا تعارض بين هذه الآيات، فالجبال في أول أمرها تكون كالعهن المنفوش، تنتفش نتيجةً لتغير أحوال الكون كله في ذلك اليوم، كما قال الله عز وجل:{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ}[التكوير:١ - ٢] يعني: طمس ضوءها، {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ}[التكوير:٣ - ٤]، العشار هي: النوق الحوامل أي: عطلت عن حملها، وقيل: العشار هي البلاد العامرة تعطل من عمرانها، {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ}[التكوير:٥ - ٦]، هذه البحار الباردة تصبح نيراناً تتأجج، وفي آية أخرى:{وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ}[الانفطار:٣] أي: تتفجر وتخرج منها الأهوال.
كما قال الشاعر: مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور هذا هو حال الدنيا في ذلك اليوم، يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات.
فهذه الجبال تصير كالعهن المنفوش، ثم بعد ذلك تصير مسيرةً:{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ}[الكهف:٤٧]، ثم بعد ذلك تصير سراباً كأن لم تكن، ويخرج الناس من قبورهم وليس هناك جبال، ولا بنيان، ولا أشجار، ولا معالم ولا شمس ولا قمر، الكل خسف به وذهب ضوءه، ثم بعد ذلك يحشر الناس على أرض بيضاء عفراء كقرص الخبز النقي الذي ليس فيه نخالة، فقرصة النقي لا معلم فيها لأحد.