القول الثاني: قول الشافعية والحنابلة: وهو أن الجمعة لا تنعقد إلا بأربعين، ودليلهم: الحديث الذي رواه الإمام أحمد: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مصعباً بن عمير إلى المدينة، فلما كان يوم الجمعة صلى بهم وكانوا أربعين رجلاً، وكانت أول جمعة في المدينة) وهذا القول نرد عليه بحديث جابر في الصحيحين (بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب في الناس فلما جاءت القافلة -وقد كان الصحابة محتاجين إلى هذه القافلة؛ لما هم فيه من ضيق- فخرجوا رضي الله عنهم ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلاً)، وأين الدليل على أنهم عادوا؟ بل الأقرب أنهم ما عادوا؛ إذ أن كلاً منهم كان محتاجاً فابتاع منها حاجته، وتفقد كل منهم نصيبه إن كان له في التجارة نصيب، فالأصل أنهم ما عادوا ولا يقال بخلافه إلا أن يقوم دليل ناقل عن هذا الأصل.
وأما المالكية رحمهم الله فالرد عليهم أيضاً نفس ما رد به على الحنابلة والشافعية، فيقال لهم: أثبتوا لنا أنه لو بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم أقل من هذا العدد لقال لهم: إن الجمعة لا تصح، فهذا إنما حصل اتفاقاً من غير قصد، فليس في هذا دليل على أن الجمعة لا تجزئ بأقل من ذلك.