للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق)]

قال الله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:١].

القراءة في اللغة: إبراز الشيء وإظهاره، ومنه قول القائل في وصف الناقة: لم تقرأ جنيناً، أي: لم تنتج ولم تبرز جنيناً، أي: ولم تلد.

قوله: ((اقْرَأْ)) هنا سؤال طرحه أهل التفسير: ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمياً؟

الجواب

نعم، فكيف يوجه إليه الأمر بالقراءة؟ قالوا: القراءة على نوعين: إما أن تكون قراءة من شيء مكتوب، وإما أن تكون قراءة من متلو، وهاهنا قراءة من متلو، فجبريل عليه السلام يتلو ويأمر محمداً صلى الله عليه وسلم بأمر الله أن يردد، هذه هي القراءة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك بعض الناس يستغرب إذا سمع أحد العلماء وقد كُف بصره، يقول: أنا قرأت في كتاب كذا، أو قرأت في جريدة كذا، يقولون: هذا الرجل يكذب، كيف قرأ وهو أعمى؟! نقول: لا، القراءة إما أن تكون من مكتوب أو متلو.

قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:١] أي: اقرأ مفتتحاً ومبتدئاً ومنشئاً باسم الله، فالله هو الذي أرسلك، وهذا الوحي والرسالة منه، والأمر منه، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:٦٧].

فقوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ذكر ربنا جل جلاله هنا صفة من صفاته أو فعلاً من أفعاله وهو الخلق، وما قال: اقرأ باسم ربك الذي أوحى، أو: اقرأ باسم ربك الذي أرسل، وإنما قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:١]، قالوا: لسببين اثنين: السبب الأول: أن الخلق هو ألزم أوصاف الربوبية، فالرب عز وجل هو الخالق، ثم يأتي بعد ذلك كونه رازقاً، وكونه نافعاً، قال الله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم:٤٠].

السبب الثاني: أن المشركين كانوا مقرين بأن الله هو الذي خلقهم، قال عز وجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:٢٥].

وقال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:٨٧].

وقال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف:٩].

فمن أجل هذا ذكر ربنا جل جلاله هذه الصفة، وكأن إنساناً سأل: لم أقرأ: باسم الله؟ فجاء

الجواب

لأنه الذي خلق، كما في أول أمر في القرآن، قال الله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة:٢١] لم؟ {الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:٢١] يعني: ما دام هو الخالق جل جلاله فينبغي أن يكون هو المعبود.