[سبب نزول قوله:(ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات)]
الآية الرابعة والخمسون بعد المائة: قول الله عز وجل: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ}[البقرة:١٥٤] قيل: هذه الآية نزلت في شأن عمير بن الحمام رضي الله عنه الذي كان أول الشهداء يوم بدر، الذي كان يأكل تمرات من مخبأة معه، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول للصحابة:(والذي نفسي بيده! لا يقاتلنهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة).
فسمع عمير فقال: بخ بخ، وألقى ما كان في يده من تمرات، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(ما حملك على قولك: بخ بخ؟ قال: يا رسول الله! ما بيني وبين الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء؟ قال: بلى، قال: إنها لحياة طويلة إن بقيت حتى آكل هذه التمرات).
أي: لو انتظرت خمس دقائق حتى أكمل هذه التمرات إنها لحياة طويلة! الآن الآن، فألقى التمرات وسل سيفه ودخل في صفوف المشركين، وكان رضي الله عنه أول من قتل في ذلك اليوم.
حدثني بعض الشيوخ الفضلاء: إن بعض السفهاء في التلفاز قبل أيام صنعوا أضحوكة يسمونها التمثيلية، وهي: أن امرأة استشهد زوجها فجاء أخوه يخطبها، فجاء مجموعة في هيئة شيوخ أو منسوبين للعلم يلبسون عمائم كبيرة وما يسمى بالعباءة، ثم جلسوا مع هذا الشاب الخاطب وقالوا له: لا يحل لك أن تخطب زوجة أخيك أو أرملة أخيك، قال لهم: كيف؟ فقرءوا عليه:{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}[آل عمران:١٦٩] فهو ما زال حياً وهي زوجته؛ فاقتنع بكلامهم وترك الخطبة.
فهذه الأضحوكة المقصود منها السخرية من الآية أو من شعيرة الجهاد، وإلا فمعلوم أن الآية واضحة في ألفاظها:((أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ))، أما في حكم الدنيا فهم أموات، ولذلك تقسم أموالهم، وتنكح نساؤهم، وفي الدنيا نجعلهم تحت التراب، فلو كانوا أحياء ما دفناهم في التراب، فالشهيد في حكم الدنيا ميت، أما عند الله فهو حي حياة برزخية لا يعلم كيفيتها إلا الله.
فهذه سفاهة وتطاول، ولا ينبغي للمسلم أن يسمع مثل هذا، ولا أن تنطلي عليه هذه الحيل، والله عز وجل يقول:{إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ}[النساء:١٤٠].
فما كان ينبغي للقائمين على التلفاز لو كانوا يتقون الله أن يسمحوا بأن يبث مثل هذا الهراء والغثاء، وهذا الباطل الذي فيه تحريف للكلم عن مواضعه.