[ترك سنة من السنن]
سادساً: ترك سنة من السنن، وهذا -أيضاً- مكروه، وهذا يرد على المالكية؛ فإنهم يقولون بكراهة دعاء الاستفتاح، ويقولون بكراهة الاستعاذة والبسملة، كل هذا عندهم مكروه، وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح صلاته قال: (سبحانك -اللهم- وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)، وربما قال: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي)، ولربما قال في صلاة الليل عليه الصلاة والسلام: (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت ربي وأنا عبدك، لا إله إلا أنت، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك، أنا منك وإليك، تباركت ربي وتعاليت)، هذا كله كان يقوله في دعاء الاستفتاح، وهذا ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقالوا: الاستعاذة مكروهة، وقد ثبت (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح صلاته يقول: أعوذ بالله السمع العليم من الشيطان الرجيم)، وثبت عنه أنه في صلاة الليل كان يقول: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه ونفخه).
والبسملة ثابتة أيضاً، فقد كان صلى الله عليه وسلم يبسمل، فالمالكية قالوا بكراهة هذا كله ولا كراهة إن شاء الله.
ومن ذلك ترك سنة القبض، وعند بعض المالكية أنه مكروه، وبعضهم يقول: هو مكروه إذا قصد به الاتكاء.
والقبض لا كراهة فيه إذا كان على الصفة المشروعة بأن تجعل باطن كفك اليمنى على ظاهر كفك اليسرى، أو أن تقبض باليمنى على كوع اليسرى، وتجعلهما فوق الصدر أو تحت الصدر فوق السرة.
ونلحظ أن الناس يتركون كثيراً من السنن في الصلاة، ومنها رفع اليدين في أربعة مواضع: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع من الركوع، وعند القيام إلى الركعة الثالثة من صلاة ثلاثية أو رباعية، فهذا كله لو تركته فقد ارتكبت مكروهاً، وفوت على نفسك الأجر، ومثله -أيضاً- الإشارة بالأصبع عند التشهد، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان يقبض على أصابعه كلها ويشير بسبابته، ولربما حلق بين الإبهام والوسطى وأشار بسبابته).
وفي بعض المذاهب -كالحنفية- يقولون: هذا عبث لا يليق في الصلاة.
والحق أنَّ هذا ليس فيه عبث، بل هو سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن الأمور المكروهة أن تترك الدعاء الذي هو بعد التشهد، فقد كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال.
بل إن طاوس بن كيسان قال لولده: أدعوت بها في صلاتك؟ قال: لا، فقال له: فأعد صلاتك.
فكأنه -رحمه الله- كان يرى الوجوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا فرغ أحدكم من التشهد فليستعذ بالله من أربع) فكأن طاوساً رحمه الله أخذ بظاهر الحديث.
فيكره لك -أيها الأخ الكريم- أن تترك شيئاً من هذه السنن، لقول الله عز وجل: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [لقمان:٤] وإقامة الصلاة: أن تؤديها في أوقاتها بكامل أركانها وشروطها وسننها وآدابها، هذه هي الإقامة، وهي الأداء على وجه التمام وبلوغ الغاية.