[حالات تعدد الروايات في سبب النزول وكيفية التعامل معها]
تقدم معنا الكلام في أنه إذا روي أكثر من رواية حول سبب نزول آية واحدة من كتاب الله فهذا الأمر لا يخلو من إحدى حالات أربع: الحالة الأولى: أن تكون إحدى الروايتين صحيحة والأخرى ليست كذلك، ومثال هذا سبب نزول قول الله عز وجل:{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}[الضحى:٣]، فهناك رواية صحيحة بأن امرأة من شياطين قريش -وهي العوراء أم جميل - قالت: يا محمد! ما أرى شيطانك إلا قد ودعك.
فأنزل الله هذه الآية.
وهناك رواية عند الإمام الطبراني في قصة دخول الجرو وموته تحت سرير رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أننا لو أثبتنا هذه الرواية لا يكون هناك تعارض.
الحالة الثانية: أن تكون الروايتان صحيحتين، ولكن يمكن الترجيح بينهما، كحديث ابن مسعود رضي الله عنه في قصة مرور النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من اليهود وسؤالهم إياه عن الروح، ورواية ابن عباس أن السائلين هم المشركون، وأنهم سألوا بإيعاز من اليهود.
فنقدم الرواية الأولى؛ لأن ابن مسعود أقدم إسلاماً من ابن عباس، ويحمل ذلك على أنه قد رأى هذه الحادثة، أما ابن عباس رضي الله عنه فقد رويت له رواية.
الحالة الثالثة: أن تكون الروايتان صحيحتين، ولكن لا يمكن الترجيح بينهما، ويمكن أن تكون الآية قد نزلت فيهما، ومثال ذلك آيات اللعان، فقد قيل: إن سبب نزولها أن هلال بن أمية الواقفي رمى زوجته بـ شريك بن سحماء، وقيل: بل الرامي هو عويمر العجلاني، والروايتان صحيحتان، فنقول: لا تعارض، وتحمل الروايتان على أن الرمي حصل من هذا ومن هذا؛ فنزلت الآيات فيهما.
الحالة الرابعة: استواء الروايتين -أو الروايات- في الصحة وعدم إمكان الترجيح بينهما، وعدم إمكان القول بأن الآية قد نزلت فيهما، ومثاله قول الله عز وجل:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}[النحل:١٢٦]، قيل: نزلت عقيب أحد، وقيل: نزلت يوم الفتح، وما بين أحد والفتح خمس سنوات، ولذلك لا سبيل إلى القول بأن الآية قد نزلت في الأمرين جميعاً، إلا أن يحمل ذلك على تعدد أو تكرر النزول، أي أنها نزلت مرة بعد مرة.