رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بالصبر وصبر صلوات الله وسلامه عليه، فقد نشأ يتيماً، لم ير أباه فصبر، وفقد أمه لما بلغ السادسة فصبر، وفقد جده لما بلغ الثامنة فصبر، وصبر على العيلة، وهي الفقر، كما قال الله عز وجل:{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا}[الضحى:٦ - ٨] أي: فقيراً {فَأَغْنَى}[الضحى:٨]، فقد كان يمر عليه الهلال والهلال والهلال ولا يوقد في بيته نار، وما له من طعام إلا الأسودان عليه الصلاة والسلام.
وصبر على أعباء النبوة، {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}[المزمل:٥]، بالليل والنهار، ثم صبر على أذى المشركين بألسنتهم وأيديهم، فربما طرحوا على رأسه الأوساخ وهو ساجد عليه الصلاة والسلام.
ثم صبر بعد ذلك على الأعراب وجفائهم وغلظتهم، فقد قال له أعرابي:(يا محمد! اتق الله، إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، فقال رسول الله يرحم الله موسى! لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر).
وصبر صلى الله عليه وسلم على المنافقين، فقد تكلم عبد الله بن أبي عنه بكلام السوء، فمرة يقول له: يا محمد لقد آذاني نتن حمارك، ومرة يطعنه في عرضه صلى الله عليه وسلم فيتكلم في عائشة بقالة السوء، ومرة يطعن في ذمته المالية ويتهمه بالغلول، فينزل الله عز وجل قوله:{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}[آل عمران:١٦١] ومرة يصف النبي صلى الله عليه وسلم بوصف مذموم فيقول عبد الله بن أبي لعنه الله: ما نحن ومحمد إلا كما قالت العرب: سمن كلبك يأكلك، ومع ذلك لما جاء بعض الصحابة يستأذن في قتل ذلك الكافر الأثيم قال عليه الصلاة والسلام:(بل نحسن صحبته ما استطعنا؛ لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه).
ثم مات أولاده كلهم، القاسم وعبد الله وإبراهيم ورقية وزينب وأم كلثوم، ولم يبق له إلا فاطمة رضي الله عنها فصبر عليه الصلاة والسلام، لقد مات عدد من أحفاده، وأعمامه، وأزواجه فصبر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يعلم بأن الصبر هو شطر الإيمان، والصوم نصف الصبر، فالصوم ربع الإيمان، ولذلك مطلوب من المؤمنين أن يصبروا على هذه العبادة المبارك الطيبة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران:٢٠٠].