[كيفية صلاة الخوف]
ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف مع أصحابه.
وفي غزوة الأحزاب شُغل الرسول عليه الصلاة والسلام بمدافعة المشركين حتى غربت الشمس فقال: (شغلونا عن الصلاة الوسطى ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً)، والصلاة الوسطى هي صلاة العصر.
ثم أمر بلالاً أن يقوم إلى وادي بطحان فأذن وأقام الصلاة فصلى بالناس العصر بعد غروب الشمس، ثم أذن فأقام فصلى بالناس المغرب، وهذا قبل أن تشرع صلاة الخوف، فرحمة من الله عز وجل بعباده لئلا تفوتهم الصلاة جعل للحرب صلاة خاصة اسمها صلاة الخوف، ولا تأثير للخوف على عدد الركعات، فصلاة الخوف ليست مثل صلاة السفر الرباعية تصير ركعتين، بل صلاة الخوف الأربع أربع، والثلاث ثلاث، والركعتان ركعتان.
فإن كانت في الحضر فتصلى على هيئتها، يعني لو أن العدو جاءنا إلى مكاننا -لا قدر الله- فنصلي الصلاة على هيئتها، وإذا سافرنا للعدو فإنها تقصر، فالظهر والعصر والعشاء تصلى ركعتين.
ورد في صفتها وجوه متعددة وكلها جائزة، وهذا الذي نسميه: اختلاف التنوع مثل الاختلاف في التشهد، أنت تتشهد فتقول: (التحيات لله والصلوات والطيبات) كما جاء في حديث ابن مسعود، وآخر يقول: (التحيات لله الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله).
ورجل يقول: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم).
وآخر يقول: (اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته).
وآخر يقول: (اللهم صل على عبدك محمد النبي الأمي) وهذا كله ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
كذلك ألفاظ الأذان، مؤذن يقول: (الله أكبر، الله أكبر) يكبر مرتين، ومؤذن في مسجد آخر يقول: (الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر) كبر أربع مرات، هذا كله جائز.
وكذلك في الإقامة، بعض الناس عنده الإقامة عشر كلمات: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، وهذا مذهب المالكية، وبعض المذاهب الإقامة عندها إحدى عشر كلمة مثل الشافعية والحنابلة، والحنفية عندهم الإقامة تسع عشرة كلمة، فيربعون التكبير، ثم يثنون الشهادة، ويثنون حي على الصلاة، ويثنون حي على الفلاح، ويثنون قد قامت، ويثنون التكبير، والشهادة في الأخير مرة واحدة.
وهذا كله نسميه اختلاف التنوع.
كذلك في الحج شخص يحج مفرداً، وهذا يحج قارناً، وهذا يحج متمتعاً، كله جائز، وهذا من اختلاف التنوع.
صلاة الخوف لها وجوه متعددة كلها جائز، منها ما رواه مالك والبخاري ومسلم عن صالح بن خوات عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف.
وسميت بذات الرقاع، لأن الناس تقرحت أقدامهم فوضعوا عليها الرقاع.
روى صالح بن خوات عن بعض الصحابة (أن طائفة صفت مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وصفت طائفة تجاه العدو -أي: مقابل العدو- فصلى بالتي معه ركعة ثم ثبت قائماً للركعة الثانية وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا تجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم).
فهذه هي الصفة المشروعة.
والخوف الموجب لهذه الصلاة لا يخلو من حالتين؛ الحالة الأولى: خوف هجوم العدو، وفي هذه الحالة يقسم الإمام الناس إلى طائفتين: طائفة تواجه العدو، وطائفة يصلي بها ركعة واحدة إذا كانت الصلاة ثنائية، ثم يقف الإمام ساكتاً أو قارئاً في الركعة الثانية وتتم الطائفة الأولى لنفسها ثم تنصرف تجاه العدو، على نفس الصفة التي ذكرها صالح بن خوات، وتأتي الطائفة الثانية فيصلي بهم الإمام الركعة الثانية ويسلم الإمام ويتمون لأنفسهم، وإن كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية انتظرهم في جلوس التشهد.
الحالة الثانية: أن يشتد الخوف وتطول المعركة يعني: قد حمي وطيسها، وتأججت نيرانها، هناك رصاص يطلق، ورءوس تطير، ودماء تسيل، وأصوات تعلو، والخوف شديد، ولا يمكن في الحالة هذه أن يصلوا جماعة، فيصلون رجالاً قياماً على أقدامهم أو راكبين على آلياتهم، الذي في المدرعة في المدرعة، والذي في الدبابة في الدبابة، والذي في الطيارة في الطيارة، يصلون قياماً على أقدامهم أو ركباناً، مستقبلي القبلة إن تمكنوا أو غير مستقبليها؛ لأن الله عز وجل قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة:٢٣٩].
وفي حديث ابن عمر: (فإذا كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالاً قياماً على أقدامهم مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها)، وهو يروي هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والسنة أن تُصلى بأذان وإقامة، وعلى الإمام أن يعلمهم كيفيتها قبل الشروع فيها وجوباً إن جهلوها، وندباً إن علموها لاحتمال نسيانها، مثل صلاة الكسوف يستحب للإمام أن يشرح للناس أن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان؛ لأن أكثر الناس لا يعرفونها، والذين يعرفونها قد ينسون، وفي بعض الأحيان حتى صلاة الجنازة قد تحتاج لشرح، وإن كان -والحمد لله- أغلب الناس يعرفونها.